حطَّم القصة بذبح رسولها في Kill the Messenger
قصص الفساد السياسي ونظريات المؤامرة التي تكشفها الصحافة، لها دائما رونقها ووزنها في كل مجتمع. وهوليوود كعادتها مع أي فكرة جذابة جماهيريا، استثمرت فيها الكثير والكثير، سواء في الأفلام الخاصة بأفكار روائية غير مرتبطة بشخصيات حقيقية، أو في الأفلام الخاصة بوقائع وشخصيات حقيقية، التي لا يزال أشهرها إلى الآن "كل رجال الرئيس" All the President's Men عن فضيحة "ووتر جيت" الشهيرة التي أطاحت بالرئيس الأمريكي نيكسون.
فيلم اقتل الرسول Kill the Messenger مقتبس عن قصة أخرى حقيقية من هذا النوع، بدأت منتصف التسعينات، عندما كتب الصحفي الشاب "جاري ويب" في جريدة محلية سلسلة تحقيقات أثارت ضجة، عن تورط المخابرات المركزية الأمريكية، في تسليح ودعم جماعات المتمردين في "نيكاراجوا" لإسقاط حكومات هناك، عن طريق السماح لكبار المهربين الداعمين للمتمردين، بتمرير شحنات كوكايين للأراضي الأمريكية.
سيناريو الفيلم مقتبس من كتاب السيرة الذاتية "التحالف الشرير" Dark Alliance الذي كتبه ويب عن الواقعة، وكتاب Kill the Messenger لـ نيك شو، وكلاهما يروي القصة من وجهة نظر صانعها، ويمجد عزيمته وبطولته في الصمود أمام كافة التهديدات المحتملة من خصم في وزن المخابرات المركزية الأمريكية، ويلقي اللوم على كل من شكك في مصداقية التحقيقات.
لدينا إذا أساس درامي تقليدي وبسيط نسبيا عن الصحفي الشريف الذي يُقرر كشف الحقيقة رغم كل التحديات والصعوبات، ويدفع ثمن ذلك عندما يتعرض لحملات تشويه شخصية. للأسف لم يحاول سيناريو الفيلم تطعيم القصة بأي عناصر جديدة جذابة ومشوقة، واستسلم تماما وبإفراط لكل الأكليشيهات المعروفة في هذا النوع.
عبارات مثل (من الحماقة أن تتوغل في المهمة أكثر - لن يتركونك تهرب بفعلتك - الحقيقة دائما مُرعبة.. إلخ) تتكرر باستمرار، وبشكل غير جذاب أو مشوق. مع المشاهد المعتادة للبطل المتوتر، حتى وهو في حضن زوجته، أو يلعب مع أطفاله على الشاطئ.
النجم جيرمي رينر قدم دوره جيدا، وبذل قصارى جهده كالعادة، ليجعل الفيلم أقوى، لكن في النهاية لا يُمكن إصلاح فيلم تشويق مفتقد للتشويق. إخراج مايكل كوستا عنصر ضعف آخر، ومن الواضح من أغلب اللقطات أنه لم يترك بعد الطابع التليفزيوني. كوستا له تاريخ طويل في مسلسلات عديدة، أشهرها Homeland.
رغم هذا فقد استفاد الفيلم جدا من اختياراته للأدوار الثانية وضيوف الشرف، وعلى رأسهم العملاق آندي جارسيا، الذي قدم دور بارون مخدرات سابق، وفاز بأهم وأجود مشاهد الفيلم على صعيد التنفيذ داخل أحد السجون. ومن المؤسف أن السيناريو لم يحاول أن يقترب أكثر من هذا العالم.
الاسم Kill the Messenger إشارة إلى الأسلوب المُتبع عندما يحاول الخصم تكذيب وتشويه القصة أو الخبر وطمسها بالهجوم على شخص الراوي نفسه، ليصبح هو محور النقاش بدلا من القصة أو الخبر.
للأسف سقط الفيلم في الفخ العكسي، واعتقد صُناعه أن التركيز على تمجيد صاحب القصة وتقديم حياته الشخصية والعائلية بكل الأكليشيهات السينمائية المعروفة كفيل بتوفير معدل تشويق وتسلية جيد، لتنتهي المحاولة ككل بتشويه آخر للقصة الحقيقية، التي تملك فعلا عناصر تشويق عديدة، وكان من الممكن سردها بشكل أكثر تسلية.
باختصار:
رغم الأداء الجيد لـ جيرمي رينر وبعض ضيوف الشرف، فالنتيجة النهائية قصة حقيقية تم استنزافها في فيلم تشويق مفتقد للتشويق، يقتبس كل أكليشيهات "نظرية المؤامرة" المعروفة.