كيانو ريفز والخلطة الأصلية للأكشن في John Wick
عقد الثمانينات في هوليوود له مذاق فريد في الأكشن والعنف. ولا عجب أن نجوم هذا العقد تحديدا، وعلى رأسهم (سلفستر ستالون - أرنولد شوارزينجر - بروس ويليس) حتى الآن أول أسماء تأتي على الخاطر مع كلمة "أفلام أكشن". المذاق اللاذع الصافي النقي للأكشن ستجده في هذا العقد بالأخص، عندما كان العنف والدم هدفا في حد ذاته، وجمهوره يستمتع به بدون إحراج وبدون الحاجة لأي تبريرات درامية مكثفة.
توجد محاولات عديدة لاستعادة هذا المذاق مؤخرا، والحاجز الرئيسي دائما هو التصنيف الرقابي. بالنسبة للاستوديوهات فمن الأفضل توسيع نطاق المشاهدين إلى أقصى قدر، وهو ما يعني سقفا بصريا مستهدف إنتاجيا، لا يُمكن تجاوزه بخصوص مشاهد العنف والدم، لضمان تصنيف رقابي يسمح بالمشاهدة للمراهقين. الحاجز الثاني يتعلق بالحرج من التركيبة العتيقة الصريحة الوقحة لهذه النوعية، والإصرار على تطعيمها بتبريرات درامية طويلة، وهو ما ينسف الرونق والروح تماما.
عظمة فيلم جون ويك John Wick للنجم كيانو ريفز - ولاحظ هنا اختيار اسم البطل كاسم للفيلم على طريقة أفلام ستالوني وشوارزينجر في الثمانينات - تأتي من تجاوزه لكلا الحاجزين. الفيلم بميزانية متواضعة نسبيا (20 مليون دولار)، وهو ما سمح بتنفيذه بتصنيف رقابي يسمح بالعنف والدم. وتركيبته الدرامية بسيطة ومباشرة جدا، وعبارة عن خط مستقيم لاحتواء العنف.
القصة ببساطة كالآتي:
1 - جون ويك رجل ذو تاريخ عنيف، ترك حياة الإجرام منذ سنوات ليتزوج.
2 - زوجته الرقيقة ماتت، تاركة له جروا صغيرا هو آخر شيء يربطه بالحياة الوديعة المسالمة.
3 - مجموعة من المجرمين لا يعرفون حقيقته، يسرقون سيارته ويقتلون الكلب الصغير.
4 - كل وغد منهم يجب أن يدفع الثمن، وكل وغد سيحاول منعه من ذلك، سيلحق بهم!
المدة الزمنية للنقاط من (1 - 3) حوالي ربع ساعة من زمن الفيلم. باقي الفيلم كله عبارة عن (النقطة 4)، مع مشاهد أكشن عنيفة ومتقنة تم تنفيذ أغلبها بشكل كلاسيكي، ليستفيد الفيلم إلى أقصى درجة من خبرات (شاد ستاهيلسكي - ديفيد ليتش) في عملهما الأول كمخرجين.
ستاهيلسكي عمل كدوبلير لـ كيانو ريفز لسنوات طويلة في أفلام أكشن عديدة، أهمها ثلاثية The Matrix الشهيرة، قبل أن يتخصص في تصميم وتنفيذ وإخراج مشاهد المعارك لأفلام أخرى مهمة. وهو نفس مشوار زميله ليتش تقريبا، الذي عمل في البداية كدوبلير للنجم براد بيت في أفلام عديدة أشهرها Troy و Fight Club.
كلاهما قادم من مدرسة تصميم المعارك، وكلاهما يتقنها في الفيلم، سواء كانت قتالا يدويا، أو مبارزات بالأسلحة النارية، أو مزيج من الاثنين. درجة الثقة العالية في التنفيذ تتضح من كل مشهد تقريبا، وعلى عكس الأسلوب الحديث، الذي يعتمد على المونتاج السريع، أو الكاميرا المهتزة، لإضفاء طابع صاخب على مشاهد الأكشن، يعود الفيلم للجذور مع الكاميرا الثابتة، والمشاهد الطويلة، وتحطيم الأثاث والزجاج، تاركا أغلب المهمة للأداء البدني للشخصيات المتصارعة.
كيانو ريفز نجم يجيد هذه المشاهد حتى وهو في الـ 50 من عمره، ولا يزال محتفظا بقوام رياضي ممشوق. والشىء العظيم في السيناريو والإخراج، هو عدم الخجل نهائيا من توظيف كل الأكليشيهات الخاصة بعقد الثمانينات، ابتداء من العبارات النمطية المسرحية من نوعية (سيأتي الليلة ولا يوجد من يستطيع حمايتك منه)، مرورا بالمواقف التي يترك فيها الشرير رجاله لقتل البطل، لينتهي الأمر بنجاحه في الإفلات منهم، ومطاردة الشرير من جديد، انتهاءً بمشاهد الحركة البطيئة التي يخطو فيها البطل ناحية الكاميرا وسط النيران أو ركام المعارك.
اللمسات المرحة المُبالغ فيها - أو السخيفة اذا كان هذا وصفك لها - الخاصة بالثمانينات موجودة أيضا. يوجد مثلا كود أخلاقي وفندق خاص للسفاحين. وفي هذا العالم يستخدمون عملات ذهبية لشراء السلع والخدمات. ومن وقت لآخر، سيمر "جون ويك" بموقف ما، ثم يفاجئك السيناريو أن الكل يعرف تاريخه، وأن الكل يتقبل هذا التاريخ بدون مشاكل من أى نوع!
مشاهد النادي الليلي أو الصراع تحت المطر، بها جهد واضح في التصوير، وطريقة توظيف الإضاءة الزرقاء والحمراء المكثفة فيها، لا تخلو من روح عنيدة لا مبالية للإخراج، وكأن لسان حال المخرجين يقول باستمرار: "لا نمانع نهائيا اتهامنا بالرخص الفني، ولا نبالي مطلقا بهذه الاتهامات"!
شخصيا أحترم هذه النوعية، ولا أرى فيها رُخصا من أي نوع. فيلم John Wick عودة جيدة إلى نكهة الثمانينات وزمن الصراحة والوضوح والمباشرة بخصوص الأكشن. آخر مرة شاهدت فيها فيلم بنفس التركيبة والوضوح كانت مع The Punisher إنتاج 2004.
الشىء الجيد أن الجمهور احتفى جيدا بالعودة هذه المرة، وحقق الفيلم أكثر مما هو متوقع منه في شباك التذاكر، لتعلن الشركة المنتجة منذ أيام أن "جون ويك" سيعود لتكسير بعض العظام في فيلم آخر. أتعشم ألا يحاول أحد الحمقى صياغة قالب درامي عميق من أي نوع في الفيلم التالي، ليفسد الخلطة!.. وأن يكون الفيلم الأول أيضا درسا إنتاجيا جيدا للبعض، وتشجيع لصناعة أفلام أخرى عنيفة ودموية في السنوات القادمة.
باختصار:
عودة جيدة إلى عصر افتقدناه، عندما كان الأكشن لا يتظاهر بكونه أكثر من ذلك، ولا يحاول أن يكون أكثر عمقا من ذلك. عندما كانت الصفقة بسيطة وصريحة بين صناع الفيلم وجمهوره. نريد مشاهدة بطل ما يحطم بعض العظام، وينثر شلالات دماء، ويترك خلفه عشرات الجثث، دون الحاجة لتبريرات طويلة مقنعة. نريد المزيد من هذه الأفلام الوقحة المُتقنة التي تشبع هذه الرغبة!
للتواصل مع الكاتب