التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 12:30 م , بتوقيت القاهرة

كفاية.. زهقنا

صديقتي لا تتابع أي "توك شو" على الإطلاق.. ولما سألتها لماذا؟ قالت: كفاية بأه.. زهقنا.. كل يوم هي هي نفس الوجوه وهو هو نفس الكلام.. وحتى الضيوف هما هما.. يتنقلوا بين الفضائيات مرة هنا مرة هناك.. قالت أيضا: أولادي زهقوا من زمان.. وأنا بعدهم.. وأصبح على زوجي الامتثال لرأي الأغلبية وعدم متابعة أي توك شو.. وفي الحقيقة إقناعه بالأمر لم يكن صعبا على الإطلاق.


طبعا معها كل الحق.. لماذا يتعين على المذيع أو المحاور أن يواجه الكاميرا ويتحدث مع الجمهور لمدة ساعة أو أكثر في كلام لا يستغرق أكثر من عشر دقائق؟ وبالتالي يتعرض المشاهد للملل ويتعرض المذيع للخطأ.


فمن أين سيجد كلمات منظمة واحترافية وموضوعية ومقنعة لمدة ساعة كاملة؟


بالتأكيد سيضطر للإعادة والتكرار.. ثم للهزار.. ثم للتلقائية.. ومنها للأخطاء اللفظية.. والمضمونية.. ولا أعني الأخطاء اللغوية كأخطاء النحو وما شابه.. قطعا لا.. فلا يتحدث نجومنا الإعلاميون اللغة الفصحى.. بل أعني استخدام ألفاظ لا يصح استخدامها إعلاميا إما لقبحها أو لانحيازها أو لتفاهتها.


أما أخطاء المضمون فهي كثيرة فقد تخون الذاكرة أي متحدث على الهواء ولا يسعف المعدّون من خلال سماعات الأذن في تصحيح المعلومات المغلوطة أحيانا.. وفي بعض الأحيان لا تكون الذاكرة هي المسؤول عن أخطاء المضمون بل ضعف المعلومات أو قلة الاحترافية.


نستخلص مما سبق وبطريقة رياضية بحتة أن: وقت طويل+ وجه واحد + حديث متكرر = أخطاء + ملل.. والنتيجة النهائية انصراف المشاهدين تماما عن مثل هذا النوع من الإعلام.


بالقطع لم يعد أحد ينتظر نشرات الأخبار بتوقيتاتها المختلفة اللهم إلا إذا شاهدها صدفة.. وصار البديل هو قراءة عناوين الأخبار من المصادر الإلكترونية المتعددة.. ومتابعة تفاصيل المهم منها لدى كل شخص على حدة عبر المصادر الإلكترونية نفسها.


إذن قل تأثير الفضائيات فيما يخص نقل الأخبار وأيضا تحليلها لأننا لم نعد نتابع النشرات الإخبارية ولا نشاهد البرامج التحليلية.. وانحسر دور تلك الفضائيات في متابعة الأحداث الهامة على الهواء وهو ما زال يميزها نوعيا عن الإنترنت، وإن كان الأخير ينافسها في المجال نفسه وقريبا سيلغي هذا التميز أيضا.


ألم يحن الوقت لمراجعة نوعية البرامج التلفزيونية وزمن كل منها والوجوه المتكررة وطريقة تقديم المعلومات واختيار الضيوف ونوعية الأسئلة التي يجيبون عليها وغير ذلك من تقنيات القنوات الفضائية؟


ألم يحن الوقت للتغيير بعد أن صارت البرامج الأكثر مشاهدة في العالم العربي هي برامج الطبخ؟ حتى القنوات الإخبارية المتخصصة صارت تقدم برنامج "طبيخ".. لا أعني أن برامج التحليل السياسي هي برامج طبيخ.. حاشا.. أعني برنامجا يقدم كيفية صنع المأكولات!!!!


بعد اختفاء الصحف الورقية لتحل محلها الصحف الإلكترونية، ستختفي مشاهدة البرامج الفضائية حتى تلك التي تقدم التسلية والمعلومات العامة.. والخطورة هنا أن تقديم الخبر الذي كان قاصرا على القائمين بالعمل الصحفي فحسب، صار الآن عمل كل شخص يود أن يقدم خبرا.. وصارت "صناعة" الأخبار، لا مجرد تقديمها هواية كل من يتعامل مع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.. مما جعل الاحترافية ضرورة حتمية لتمييز أي عمل إخباري.


إذا لم ينهض الإعلام بالأخذ بالاحترافية أولا وتغيير الرؤى القديمة ثانيا.. إذا لم يتم اختيار الإعلاميين على أسس علمية وتدريبهم على تقنيات الحوار والكتابة وكل مايتعلق بالعمل الإعلامي بدقة.. إذا لم نفهم ونعي جيدا معنى الموضوعية ونقل الأخبار بأمانة تجعل للخبر والقناة التي تنقله مصداقية تنافس أخبار النت التي لا مصدر لها.


إذا قررنا نضع خبرا تحت المجهر وآخر مماثل له نتجاهله تماما.. ستظل برامج الطبخ هي الأعلى مشاهدة وسيكون مصير تلك الفضائيات ببرامجها العتيقة الزوال لأن الجميع سينصرفون تماما عنها بل وسيقولون مع صديقتي: كفاية زهقنا.