هل أنقذ خصام أم كلثوم ورامي كوكب الشرق من ثورة يوليو؟
يحكي الصحفيون والمقربون من أم كلثوم وأحمد رامي عن العلاقة المركبة بين اثنين غيّرا مفهوم الحب لأجيال كثيرة في مصر منذ ثلاثينات القرن العشرين.
حيث تحكي مديحة يسري التي كانت تجمعها صداقة بالشاعر أحمد رامي، أنه قال لها ذات مرة "كنت متخاصم مع أم كلثوم وكانت مدة الخصام قد طالت لمدة شهرين فبعثت لها أغنية "غلبت أصالح في روحي" ولم أحضر معها البروفات ولا أي شيء، وفي أول حفل للأغنية وهو جالس في الصف الأول، وبعد أن غنت أم كلثوم الغنوة لم أدخل للكواليس كالعادة لكي أقابلها، وجلست في مقعدي ففوجئت بمن يأتي يخبرني أن أم كلثوم تريد رؤيتك فذهبت لها خلف الكواليس وما أن مددت لها يدي حتى فوجئت أنها انحنت وقبلت يدي فتفاجئت".
وقالت له" أنا آسفة يا رامي إني سببت لك كل هذا التأثر من خصامنا لدرجة إنك تكتب كلمات بديعة ورقيقة كهذه التي كتبتها في غلبت أصالح في روحي، فانفجرت باكيا معها وراح الخصام". وقالت مديحة يسري "فوجئت بدموعه تجري على خديه وهو يحكي الحكاية كان يكتب لها كل أغنية ليعبر لها عن حبه، كان شديد الرقة والرومانسية".
هكذا كان يذوب أحمد رامي في حفلات الست
يُحكى ببعض الروايات، ومنها ما قاله محمود عوض، في كتابه "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"، أن الللواء المصري المحاصر في الفالوجة الفلسطينية، منذ أكتوبر 1948، حتى أبريل 1949، طلب عبر اللاسلكي ضمن ما يُطلب من القيادة المصرية آنذاك، طلبا خاصا، هو أن تغني أم كلثوم في حفلها المقبل، والذي كان مقررا إقامته في الخميس الأول من فبراير 1949، وكان يوم 3 من الشهر، أغنية "غلبت أصالح في روحي".
"غلبت أصالح في روحي" حفل حديقة الأزبكية 3 فبراير 1949 منذ 66 عامًا
نقل هذا الطلب الفريق محمد حيدر إلى الكاتب مصطفى أمين، الذي بدوره نقله إلى أم كلثوم التي كانت أعدت برنامج الحفلة بالفعل، وكان يضم 3 أغنيات لم تكن "غلبت أصالح في روحي" منها، إلا أنها لبت طلب اللواء المحاصر في الفالوجة، وكانت واحدة من أجمل تسجيلاتها للأغنية.
وكان اللواء يضم قائده سيد محمود طه، وجمال عبدالناصر الذي سيصبح رئيسا للجمهورية بعد ثورة 1952. وبين حصار الفالوجة وثورة يوليو، كانت عودتهم من فلسطين، حيث احتفت بهم أم كلثوم بفيلتها بالزمالك، وكانت وقتها نقيبة للموسيقيين، وكانت كل النقابات قد عقدت العزم على الاحتفاء بالعائدين، إلا أن قرارا من الملك فاروق الذي كان يخشى غضب الضباط فمنع الاحتفالات، فنقلت أم كلثوم الحفل لمنزلها، ودعت نحو خمسين فردا من اللواء".
قد تعتبر هذه القصة شفيعا لأم كلثوم لدى النظام الجديد بضباطه الأحرار، الذي كان يعتبرها عدد كبير منهم واحدة من أركان العهد "البائد"، إلا أن أسباب أخرى تملكها أم كلثوم فرضت وجودها على النظام الجديد الذي سيسعى لجذب تأييد الجماهير، كواحدة من أهم أدواته لتشكيل الثقافة الجماهيرية، وسيرى الجميع في "درة الفن"، "كوكب الشرق" أم كلثوم كل صفات مصر الجديدة، ابنة الموظف الفقير في أوقاف "طماي الزهايرة" المولودة في بداية القرن العشرين، والتي سيصعد نجمها عاليا لتصبح Star Of The East، التي سيترجمها العرب لـ"كوكب الشرق".