التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:01 م , بتوقيت القاهرة

"حريق القاهرة".. لغز ينتظر الحل !

كان حريق القاهرة في (26/1/1952) من أبشع الأحداث التي تعرضت له مدينة القاهرة خلال القرن العشرين، وأكثر صفحات تاريخها غموضًا، وأشدها تأثيرًا في مجريات الأحداث.


وظل هذا الحادث لغزًا لا يدري أحد من قام به على وجه اليقين؟، هل رتبته إحدى الجهات صاحبة المصلحة في إجهاض حركة الشعب الثائرة ضد الفساد والاحتلال؟ أم بدأ عفويًا تلقائيًا كرد فعل لما حدث من مذبحة لرجال الشرطة المصريين في الإسماعيلية في اليوم السابق، ثم استغلته جهات مختلفة، وحاولت استثماره ليخدم مصالحها وأهدافها؟


المأساة ..
بدأت المأساة في الثانية من صباح ذلك اليوم بتمرد عمال الطيران في مطار ألماظة "القاهرة"، ورفضوا تقديم الخدمات لاربع طائرات تابعة للخطوط الجوية الإنجليزية، تبعها تمرد بلوكات النظام (البوليس) في ثكنات العباسية تضامنا مع زملائهم الذين تعرضوا للقتل و الأسر في الإسماعيلية .


ثم زحف المتظاهرون تجاه الجامعة و انجرف معهم الطلبة، و اتجهوا إلي مبني رئيس الوزراء مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا و إعلان الحرب عليها، فأجابهم عبد الفتاح حسن وزير الشئون الإجتماعية بأن الوفد يرغب في ذلك و لكن الملك يرفض ، فقصد المتظاهرين قصر عابدين و انضم إليهم طلبة الأزهر و تجمعت حشود المتظاهرين الساخطين علي الملك و أعوانه و الإنجليز .


مشاهد عن حريق القاهرة عام 1952



الشرارة الأولي ..


و ما أن انتصف اليوم حتي بدأت الشرارة الأولي للحريق من ميدان الأوبرا باشعال النيران في كازينو "أوبرا"، و انتشرت النيران في فندق شبرد و نادي السيارات و بنك بركليز، و غيرها من المتاجر و مكاتب الشركات و دور السينما و الفنادق و البنوك، و كان التركيز علي الأماكن والملاهي الليلية التي ارتبطت بارتياد فاروق لها و المؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية .


الخسائر ..


 و طالت الحرائق أيضاً أحياء الفجالة، و الظاهر، و القلعة، و ميدان التحرير، و ميدان محطة مصر، وسادت الفوضي و أعمال السلب و النهب، حتي نزلت فرق الجيش إلي الشوارع قبيل الغروب، فعاد الهدوء إلي العاصمة واختفت عصابات السلب و النهب، و أعلنت الحكومة الأحكام العرفية، و لكن لم يتم القبض علي أي شخص في هذه اليوم .


اختلفت الروايات في عدد من قتل في ذلك اليوم نتيجة الحرائق و الشغب، و لكن جمال حماد في كتابه "أسرار ثورة 23 يوليو" عدد 26 شخص قتلوا في ذلك اليوم، 13 في بنك باركليز ، 9 في الترف كلوب، و الباقي داخل بعض المباني و الشوارع، كما دمرت النيران ما يزيد عن 700 منشأة موزعه كالاتى :


التهمت النيران 700 مكان ما بين محلات، وسينما، وكازينو، وفندق، ومكتب وناد في شوارع وميادين وسط المدينة، أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر آنذاك  مكتبًا لشركات كبرى، و117 مكتب أعمال وشقق سكنية، و13 فندقًا كبيرا مثل: شبرد - ومتروبوليتان - وفيكتوريا، و40 دار سينما منها ريفولي، وراديو، ومترو، وديانا، وميامي، و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات، و10 متاجر للسلاح، و73 مقهى ومطعم وصالة، و92 حانة و16 ناديا، أي أن النيران أحرقت كل المظاهر الحضارية للقاهرة وشلت كل مراكز التجارة بها .


احتفال وسط النيران


ومن الغريب أنه في نفس التوقيت كانت هناك حفلة ملكية، واتصل "فؤاد سراج الدين" وزير الداخلية آنذاك بالملك يطلب منه الاستعانة بالجيش للسيطرة على الحريق لأن الأمر أصبح فوق طاقة الحكومة، وفوق طاقة البوليس والأغرب أن "حيدر باشا" وزير الحربية آنذاك تلكأ في التدخل سواء بسبب الرغبة في إحراج الحكومة وترك الموقف يتفاقم أكثر من سيطرتها أو لأنه كان مشغولا في الاحتفال .


من وراء الحريق ؟


و يختلف المؤرخون عمن يكون وراء حريق القاهرة في ذلك اليوم ، فهناك من يقول أن الملك فاروق كان وراءها ليتخلص من وزارة النحاس باشا، و هناك من يقول الإنجليز و ذلك للتخلص من وزارة النحاس التي ساءت علاقتها بها بعد إلغاء معاهدة 1936، وهناك من يقول حزب "مصر الفتاة" و الإخوان المسلمين، و لكن لم تظهر حتي الآن أدلة مادية تدين أي طرف في إشعال هذه الحرائق، لذلك سيبقي حريق القاهرة لغزا ينتظر الحل .


كان الحدث كبيرا، وحاول كل طرف أن يستغله لصالحه ضد الأطراف الأخري، ولكن الأيام التي تلت دلت علي أن الحدث كانت له نتائج فاقت كل التوقعات وعصفت بمصالح كل الأطراف لصالح ما يريده الشعب .


لكن يظل حريق القاهرة أكثر الحوادث غموضا في تاريخ مصر ولا أحد يدري حتى الآن من قام به ؟ هل رتبته قوات الاحتلال البريطاني لتوقف المقاومة ؟ أم بدأ عفويًا تلقائيًا ؟ .


هيكل وحريق القاهرة


وقال الكاتب محمد حسنين هيكل تعليقاً علي الحادث: "أنا مش معتقد لغاية هذة اللحظة إن عملية حريق القاهرة بدأت بتدبير مقصود على هذا النحو لكن أنا باعتقد إنه كان ركام وعود كبريت قرّب من الركام والدنيا ولعت، لكنه أظن إنه العفوي فيه ابتدأ ثم دخل الجزء المنظم".


المتضررين..


أسفر الحريق عن مقتل 26 شخص، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا، كما أدى إلى تشريد عدة آلاف من العاملين في المنشآت التي احترقت، وليلتها اجتمع مجلس الوزراء وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى، وتم تعيين مصطفى النحاس باشا حاكما عسكريا عاما، ويعتبر حريق القاهرة هو الشرارة التي تسببت في إسراع الضباط الأحرار في القيام بالثورة بعد أقل من ستة شهور .


فيلم وثائقي لحريق القاهرة .. 
وعلي سبيل التحقق من الأمر ومحاولة توثيقة مرة اخري عن طريق بعض الرواه من كبار السن وغيرهم ممن يستطيعون إضافة معلومات حول حريق القاهرة، أعلن الكاتب الصحفي محمد أبو الغيط عبر حسابه الخاص علي فيس بوك يوم 22 يناير الجاري ما يلي:


إعلان هام،  أعمل مع أصدقاء على عمل وثائقي حول قصة حريق القاهرة 1952، ونحتاج بعض المساعدات:


1- يهمنا بالمقام الأول أن نجد أكبر عدد من الشهود الأحياء، أشخاص عاديين جدا شهدوا الاحداث، لو أي حد هنا عنده يعرف جده أو جدته حضر يومها ياريت يتواصل معايا.


2- المقام الثاني هو راوي الاحداث عن رواية، الجد الله يرحمه توفى لكنه حكى للحفيد، فوارد نصور مع هذا الحفيد .. لو فيه حد كده هنا ياريت يتواصل برضه.


3- الاستاذ جمال الشرقاوي الله يرحمه، صاحب أهم كتابين عن حريق القاهرة في رأينا المتواضع، هل فيه حد يقدر يوصلنا بعائلته؟؟.


4- أي مساعدة من أي نوع، أي ورقة قديمة، أي تسجيل، أي شخص، أي فكرة، أي مصلحة.