التوقيت الأحد، 29 ديسمبر 2024
التوقيت 04:05 ص , بتوقيت القاهرة

الكلاب أفضل من البشر أحيانا

لم أكن أتصور يومًا، وأنا من الغيورين على الإنسان، ومن المؤمنين بأنه تاج الخليقة وسيد المخلوقات بما حباه الخالق من عقل وقدرة على التقدم الحضاري لا يملكها غيره من المخلوقات.. لم أكن أتصور أبدا أن أكتب أن كلبا أفضل من واحد من البشر، لا بل أفضل من كثيرين من البشر.


على صفحات الجريدة خبران تحت عنوان واحد فحواه أن كلبا من كلاب حراسة مستشفى العجوزة ينقذ ركاب أوتوبيس عام من موت محقق قبل انفجار قنبلة وضعها "شخص" من فصيلة البني آدمين في كيس بلاستيكي أسود ونزل بسرعة من الأتوبيس!! 


نبح الكلب المُدرّب على اكتشاف المفرقعات لمجرد مرور أتوبيس النقل العام في الشارع أمام بوابة المستشفى، حيث يتواجد هذا الحيوان النبيل.. وأتخيل أنه نبح كثيرا واجتهد في أن يجعل مسؤولي الأمن الذين حوله يشكون في أمر الأتوبيس.


بينما اجتهد الرجل، الذي لا أستطيع تسميته بالإنسان، في المكر بأناس أبرياء متوسطي الحال وربما أقل من المتوسط من ركاب أوتوبيس نقل عام، اجتهد للفتك بهم.. لينهي لا لينقذ حياتهم. 


الكلب يجتهد لإنقاذ من لا ينتمون لفصيلته الحيوانية، و"بني آدم" يسعون لقتل إخوانهم في الإنسانية!! ما هذا يا بشر؟ 


الغريب أنهم عندما يشتمون أحدا ليحقرون منه يقولون له: يا كلب!! أهذا تحقير لبني آدم؟ لماذا؟ لأن الكلب لا يُفكر ولا ينطق ولا يُبدع؟ ولكنّه لا يدمر ولا يفجر ولا يذبح أيضا.


الغريب أيضا أن تاريخ البشر يسير غالبا بالتوازي مع طريق تقدمهم الحضاري.. أي أن تهذيب الإنسان لجنسه البشري هو عملية نامية متطورة جعلت شكل الإنسان وتصرفاته تختلف كثيرًا عما كان عليه في العصر الحجري، وعندما كان على قدر كبير من الشراسة والبدائية.. ومن المتوقع أن يخطو الانسان جيلا بعد جيل نحو مزيدٍ من الرقي الأخلاقي واستخدام العقل بدلا من اليدين وحلول الفكر محل العنف الجسدي.


كيف يتخلف الإنسان وينغلق فكره وتنمحي معالم تميزه ألا وهي العقل لهذه الدرجة؟ 


كيف وهو قد جُبِل ليكون تاج الخليقة ومن له السيادة على بقية المخلوقات، كيف يرضى لنفسه بالتدني والانحطاط لهذه الدرجة؟ كيف ينزع ضميره من داخله ويستطيع أن يذبح بدم بارد إنسانا مثله، بل وكما قرأنا عن الدواعش، يلعب كرة قدم برأس الشخص الذي قام بذبحه؟ أي شراسة تلك التي تتعدى الحيوانية وتصيب بالاشمئزاز وتبعث على التقيؤ.


ألا يليق بنا أن نُكرم الكلاب وننحني لهم شكرا على ما يقدمونه من خدمات جليلة لبشر غير مستأهلين لتلك الخدمات.. لبشر يقتلون بعضهم بعضا ويذبحون الواحد الآخر.. ألا يبدو منطقيا أن تشمئز منا الكلاب؟! وإذا نطقت هل يشتم كلب صاحبه بأن يشبهه بالبشر القتالين؟! 


ما زلت أتأسف على بني جنسي مما أكتبه.. وأتذكر كثيرين من معارفي الذين لقوا صدمات من أمثالهم من البشر فاتجهوا لتربية حيوانات أليفة كالقطط والكلاب وكثيرا ما كانوا يقولون كلهم الجملة نفسها: "الحيوانات أحن من البشر".


 كنت أشفق عليهم وأقول في نفسي: "مهما حدث الإنسان أعظم المخلوقات".. نعم هو خلق ليكون أعظمها ولكن.. أعتذر لنفسي مائة مرة لأني أكتب هذا.. ولكن الحق لا ينتظر كلمات مكتوبة.. فالحق كالنور، يشرق فيكشف المستور.