التوقيت الأحد، 29 ديسمبر 2024
التوقيت 05:57 ص , بتوقيت القاهرة

كيف يرى اللاهوتيون المسيحيون الديانات الأخرى وأصحابها؟

في عام 2002، نشر عميد معهد اللاهوت للشرق الأدنى، الخاص بالكنائس الإنجيليّة، الدكتور جورج صبرا، مقالا بجريدة "النهار" اللبنانية، بعنوان "اللاهوت المعاصر والديانات الأخرى.. الله يعمل في كل الشعوب"، تحدّث فيه عن ثلاثة مواقف أساسية، تلخص موقف اللاهوت المسيحي المعاصر مع الديانات الأخرى، وهي "الموقف الحصري، والتعددي، والشمولي".


اعتبر صبرا أن الموقف الأول هو الذي يحصر الخلاص والحق في المسيحية، وقال إن الموقف الحصري يعتبر أن المسيحية هي الحق وما دونها باطل، واستدل على دعواه بآية من سفر "12-4" من أعمال الرسل، والتي تقول إن "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ"، وأيضا ما ورد من مجمع فلورنسا، أن "الكنيسة الرومانية المقدسة تؤمن وتعترف وتعلِّم أنه لا يستطيع البشر أن ينالوا الحياة الأبدية إنْ بقَوْا خارج الكنيسة الكاثوليكية؛ وليس فقط الوثنيون بل أيضًا اليهود والهراطقة والمنشقون – فكلُّهم مصيرهم إلى "النار الأبدية المُعَدَّة لإبليس وملائكته" [متى 41:25]، إلا إذا انضمُّوا إلى الكنيسة قبل مماتهم".


ويأتي الرد على أصحاب هذا الموقف الحصري، من كلمة البابا شنودة الثالث، بطريرك الكرازة المرقسية الراحل، في لقاء الحوار "المسيحي – الإسلامي" في الدوحة في 2004، والتي اقتبس فيها من الكتاب المقدس والقرآن، الذي ذكر من آيات سورة الحجرات، "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وكذلك قوله تعالى "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وذكر البابا أيضًا قول بولس الرسول، "كنت مع اليهودي كيهودي لكي أربح اليهودي. ومع اليوناني كيوناني لكي أربح اليوناني. ومع الذين لا ناموس ـبلا شريعةـ لكي أربح الذين بلا ناموس. كنت مع الكل كل شيء لكي أربح على كل حال قوم".


يعود الدكتور جورج صبرا لتشريح المواقف اللاهوتية المسيحية، حيث يعتبر أن أهل الموقف التعددي يحاولون تجنب أفكار الموقف الحصري، ذاكرا أن الموقف التعدُّدي ينطلق من كون المسيحية أحد الأديان العالمية العديدة، لكنها ككلِّ الأديان الأخرى، لها واقع تاريخي معيَّن، يستجيب بطريقته الخاصة، للحقيقة النهائية في هذا الكون.


وبحسب صبرا، فإن اللاهوتيين التعدديين يرون أن يسوع هو حقًّا كشف الله الخلاصي، لكنه ليس بالضرورة وحده كشف الله الخلاصي.. ليس يسوع هو الحقيقة الإلهية الكاملة والنهائية والفائقة، ولكنه يأتينا حقًّا برسالة عالمية وحاسمة لا غنى عنها.. إنه كلمة الله الخلاصية، ولكنه ليس كلمة الله الخلاصية الوحيدة، وهذا يعني أن ثمة إظهارات أخرى للحقيقة النهائية، إلى جانب يسوع.


وبحسب ما ورد هنا، فإن التعدديين لا يرون خطأ في الديانات الأخرى، السماوية منها وما غير ذلك، فالكل يرى الله بطريقته على عكس الحصري الذي يرى المسيحية هي الخلاص الوحيد.


ويضيف صبرا أن المسيحية اتَّسمت منذ البداية أيضًا، بتشدُّد وعداء، وفي بعض الأحيان بممارسات عنفية، عندما رفض الآخرون الرسالة المسيحية أو حاولوا تشويهها أو تمييعها أو التخلِّي عنها؛ ومن هنا مصدر الحَصْرية في المسيحية.


ونرى عبر التاريخ، أن الموقف الحَصْري المتشدِّد وعباراته الشهيرة، مثل "لا خلاص خارج الكنيسة" و"ليس بأحد غيره الخلاص"، إنما قيلت لمن كان رفيق الدرب، ثم حاد عنه، أو من كان في الكنيسة وحاول شقَّها أو الخروج على تعليمها.


التشدُّد كان غالبًا موجَّهًا للداخل، لأهل البيت، ولم يكن في الدرجة الأولى مقصودًا به أتباع الأديان الأخرى، التي لم تعرف المسيح.


وعن الموقف الشمولي لبعض اللاهوتيين المسيحيين، يقول الدكتور جورج صبرا إن المبدأ اللاهوتي الشمولي يرى أن نتكلم على البشر الذين لم يعرفوا المسيح، لكنهم عاشوا بمحبة الله ومخافته، ومارسوا البر والتقوى تجاه الله والقريب، فهم سينالون الملكوت أيضًا، حسب سفر متى 11:8 القائل "إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات"، فالمبدأ الشمولي يعد جامعا للحصرية والتعددية الذي تحدث عنها صبرا، كما أنه يدعم أفكار الحوار مع الديانات الأخرى والذي تحدث عنها البابا شنودة في كلمته بمنتدى الحوار المسيحي الإسلامي.