التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 06:40 م , بتوقيت القاهرة

أقلام نسائية تتحدى قيود المجتمع

ظاهرة تصّدر الكاتبات للمشهد الثقافي لافتة للنظر بشدة، ليس في مصر فقط ولكن في الوطن العربي بشكل عام، فبعد أن كانت أعداد الكاتبات محدودة ومعروفة لوقت طويل، شهدت الساحات الأدبية الآن تواجدا نسائيا مكثفا، وتنامي ملحوظ في الكتابة النسائية، يبشر بثورة جديدة في الأدب تحديدا تكون فيها المرأة هي القائد، فلفترات طويلة لم يكن مسموحا لفتاة في مجتمع شرقي التعبير عن نفسها، وكانت إن قررت الكتابة فهي تكتب تحت أسماء مستعارة خوفا من سوط الجلاد، وخشية من تلصص الرجل عليها من خلال كتابتها.


 مؤخرا، أعلنت القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لتضم 5 كاتبات لهذا العام، وهو أكبر عدد من الكاتبات المرشحات فى القائمة الطويلة فى تاريخ الجائزة، إذ وصلت إحدى عشرة كاتبة للقائمة منذ صدور القائمة الطويلة الأولى عام 2009.


دليل للكاتبات المصريات


وفي مصر فقط تدور حاليا فعاليات لتشجيع الكاتبات، وفي يونيو 2014 تم تكريم 150 كاتبة كنوع من الدعم في بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية، وهناك دليل للكاتبات على وشك الصدور برعاية 30 مؤسسة ثقافية ودار نشر عربية ومصرية، وتم حصر 286 كاتبة مصرية لها على الأقل كتاب، بخلاف جروب على فيس بوك تحت عنوان "دليل الكاتبات" يضم  700  كاتبة مصرية.



"دوت مصر" توجهت للكاتبات الشابات وبسؤالهن عن معاناتهن وكسرهن لحاجز الخوف في مجتمع لا يسمح للمرأة بالتعبير، كانت الردود الآتية:


هاجر رضا روائية شابة تقول: "علينا الاعتراف بأن الشريحة الكبرى من المجتمع الشرقي يعاني من سطحية التفكير، ولن يقبل أن ترفع كاتبة القيود عن قلمها لتناقش أمورا وضع حولها المجتمع الشرقي أسلاكه الشائكة"، وأضافت رضا:  "سطحية المجتمع الشرقي تصل أحيانا بالربط بين الحياة الخاصة للروائية وما تكتبه".


وتعتبر صاحبة "غفرانك أيها الأحمق"، أن مناخ الحرية مجرد وهم، مؤكدة أنه ? حرية فى مصر إلا خلف أسوار السجون، ولاحرية في الرأي و? في الكتابة و? في الحب، وقالت "نحن نسير طبقا لما يريده الجلادون".


كتابة بدون حرية


وبحسب تقدير الكاتبة صفاء صفوت فإن 80% من الكاتبات لا يكتبن بحرية، لأنهن لو كتبن عن الجنس مثلا وهن غير متزوجات ستطالهن اتهامات في السمعة والشرف، وهذا قد يدعوا البعض للظن السيء فيهن، ولن يسمح الأهل لابنتهم بالكتابة المتحررة إلا نادرا.


وعن تجاوز الخطوط الحمراء في كتابتها أوضحت صفوت: "بالنسبة لي أكتب بحرية ولكن تمنعني نشأتي الصعيدية والدينية عن بعض الموضوعات" وقالت: "أنا نفسي أستحي أن أتطرق إلى بعض التابوهات، وإن كنت أخشى أحيانا الكتابة فيما قد يعتقدونه تجربة شخصية".


وأشارت مروى جوهر، إحدى الكاتبات الشابات وصاحبة "هات م الآخر" أن الكاتبة في حقبة معينة ظلت تكتب بأسماء مستعارة لأسباب اجتماعية أو سياسية، وما أن انتهت هذه الأزمنة استعاد الجميع حريته.



خطوط حمراء


وترى جوهر، أن الكاتبة في الوطن العربي متقوقعة داخل خطوطها الحمراء، هربا أو خوفا من حماقات المجتمع الذى تعيش فيه، مع تطور التكنولوجيا وكسر الحاجز النفسي لدى الجميع ومع توالي الثورات العربية التي أثرت فينا جميعا، ظهرت كاتبات أشد جرأة، لكن مع كل هذا تظل الكاتبة العربية على وجه الخصوص تكتب في قوالب مسبقة الصنع، فمناخ الحرية الذي تتوقعه الكاتبة بعيد تماما عن واقعنا الذي نعيشه.


الكاتبة هند فتحي قالت إنها تكتب بحرية قد يراها البعض صادمة، وأكدت أن مناخ الكتابة تغير بعد الثورة وأصبحت الكاتبات تحديدا أكثر حرية، وهو مكسب للجميع، لكن هناك انحرافات تحولت من الجرأة إلى "الابتذال"، و"نادرا ما تلاقي كاتب أو كاتبة بيلجأوا للكتابة عن الحب والجنس بشكل سليم".


المرأة وجائزة البوكر الأدبية


وفي مقال له بموقع "رصيف 22" أشار فايز علام، إلى أن من بين 109 روايات ظهرت في القوائم الطويلة للبوكر العربية منذ انطلاقها، كان هناك 21 رواية لكاتبات، أي بنسبة 19.3% لا أكثر. غير أن عدد الكاتبات اللواتي وصلن إلى القوائم هو 18، فقد ظهرت ثلاث منهن مرتين هنّ إنعام كجه جي، علوية صبح، رينيه الحايك.


وأضاف فايز: ظهرت هذه الكاتبات في القوائم الطويلة بمعدل كاتبتين كل عام، عدا عام 2012 (كاتبة واحدة) وعام 2010 (5 كاتبات)، وعام 2011 (7 كاتبات). وكانت جنسيات الكاتبات من سبع بلدان: السعودية 3، العراق 2، سوريا 3، فلسطين 1، لبنان 6، ليبيا 1، ومصر 2.


ومن بين 42 رواية ظهرت في القوائم القصيرة كان هناك 7 روايات لكاتبات، أي بنسبة 16.6%. وعدد الكاتبات اللواتي وصلن إلى القائمة القصيرة هو 6، إذ وصلت العراقية إنعام كجه جي مرتين إلى القائمة.


وكانت تظهر كل عام روائية واحدة في القائمة القصيرة، ما عدا عام 2012  (لم تظهر أي كاتبة)، وعام 2011 (وصلت كاتبتان). وكانت جنسيات الكاتبات من أربع بلدان هي السعودية، العراق، لبنان ومصر.


ومن بين ثماني روايات فازت بالجائزة، حازت رواية واحدة هي “طوق الحمام” للسعودية، رجاء عالم، على الجائزة عام 2011، ولكن مناصفة مع المغربي محمد الأشعري. وبذلك تكون نسبة فوز الروائيات 12.5%.



المثقفة في ورطة


" دوت مصر" استمعت إلى رأي الدكتورة سهير المصادفة، رئيس تحرير سلسلة الجوائز بهيئة الكتاب حول صعود الأدب النسائي وحرية الرأي والإبداع.


قالت المصادفة: "المرأة المثقفة والمبدعة بالفعل في ورطة حقيقية في بلداننا، فهي الوحيدة التي تطلب مهرًا بالغ الندرة ألا وهو الأفق المتسع لزوج وأب وأخ وابن يحاول أن يزيح عادات وتقاليد بالية، ويصارع نظرة دونية للمرأة تأصلت في العالم العربي بشكلٍ عام منذ أزمان وتأبى أن تغادره".


وأكدت أن الصعوبات التي تواجه المرأة المثقفة والمبدعة كثيرة، فهي لا تجد سماواتٍ حرة لقلمها، ولا تجد عقلا متفوقا يحاورها من آن إلى آخر، ولذا نسبة كبيرة منهن يفضلن الوحدة على ارتباط.


المصادفة قالت أيضا أن تحقق المرأة المثقفة والمبدعة اجتماعيا، هو أحد مؤشرات تحضر وتطور المجتمعات تماما مثل تمثيلها في المناصب القيادية أو البرلمان.


تابوهات محرمة


وعن التابوهات التي تواجه المرأة في الكتابة أكدت "لا نريد من الروائي أن يكتب المتاح أو المعروف لدى المجتمع، لأن هذا لن يفيد، وقد يقوم بهذا كتاب المقالات والمتابعون والكاميرا الفوتوغرافية، لكنه يكتب بالضرورة عن المسكوت عنه على مستوى الرؤى والظواهر الاجتماعية أو رؤيته لمستقبل العلاقات بين شخوصه".


 وعن علاقة الرجل بالمرأة ونظرته للمثقفة قالت: "لا يعنيني أين وصلت رؤى المجتمع في علاقة الرجل والمرأة، ولكني أبحث عن جديد هذه العلاقة، ووجدته في تعليمها الكتابة وعدم قمع حقوقها، ومشاركتها في كتابة التاريخ".


وعبرت المصادفة عن دهشتها من الأوائل وفي ذروة الحضارة الإسلامية حيث كانوا يعرفون جيدا أن الإبداع لا تتعارض وظيفته مع رسالة الأديان، فهو يهذب الروح ويعلم ويأخذ بيد الإنسان ليرتقي الدَرج نحو الإيمان والحب والخير والجمال، كان خلفاء المسلمين آنذاك يمنحون مترجم الكتاب أو مؤلفه ما يزن أوراق كتابه ذهبًا، وهذا ما جعلها حضارة كبرى ومهمة ومؤثرة في حضارات العالم.


معايير للإبداع


وطالبت صاحبة "رحلة الضباع" بوجوب وضع معايير متفق عليها للتعامل مع الإبداع بأقصى سرعة ممكنة، وأن نعود للدعوة بالرد على الكتاب بكتابٍ وليس بمصادرته، والرد على المقالة بمقالة وليس قصف قلم من كتبها، والرد على الرأي بالرأي وليس سجن من كتبه، وتفنيد الكلمات التي يعتقدون أنها متجاوزة بكلمات وليست برصاصات.