ياسين الحاج صالح ورحلته من المعتقل إلى عالم الأدب
ياسين الحاج صالح.. كاتب وناقد وباحث ومترجم سوري معارض، وسجين سياسي سابق، ولد في مدينة الرقة عام 1961، واعتقل عام 1980 بتهمة الانتماء إلى تنظيم شيوعي ديمقراطي معارض، ينشر في العديد من الصحف والمجلات العربية، منها: "الحياة، السفير، الآداب" وغيرها، ويعتبر من أهم الكتاب والمنظرين السوريين في قضايا الثقافة والعلمانية والديمقراطية وقضايا الإسلام المعاصر، وله تأثير واسع في الساحة الثقافية السورية والعربية.
الرحيل
غادر الأراضي السورية في أكتوبر عام 2013، ويعيش حاليا في إسطنبول.
الطب والسجون
أنهى دراسته الثانوية العامة، التي نال فيها الدرجة الأولى على مدينة الرقة، ودخل كلية الطب البشري في جامعة حلب عام 1977، واعتقل في السنة الثالثة حينما كان عمره 19 عاما، وغاب في السجون السورية 16 عاما، ليعود إلى الكلية في مايو عام 1997، ويواصل دراسته للطب ويتخرج في الكلية عام 2000.
الثقافة وكفى
لم يتخصص الحاج صالح في الطب، لأنه بعد اعتقاله حُرم من الحقوق المدنية، وكذلك من راتب الدراسات العليا، الذي توفره الجامعة لمتخصصي الطب، وهو لا يعمل بالطب لأنه يفضّل العمل بالثقافة، إضافة إلى عدم قدرته على امتهان الطب لعدم تخصصه.
الحزب الشيوعي
انضم الحاج صالح إلى الحزب الشيوعي السوري، المكتب السياسي "جناح رياض الترك" في فترة مبكرة، كان من تيار اليسار الديمقراطي، وكان اعتقاله على خلفية انتمائه لهذا الحزب، وقضى في سجون السلطات السورية 16 عاما من شبابه، وبقي دون محاكمة حتى عام 1994، ثم حكمت عليه محكمة أمن الدولة بـ15 عاما، ثم قضى عاما إضافيا دون وجه قانوني، وبعد خروجه من السجن، آثر العمل في الكتابة الصحفية كمهنة، حيث بدأ الكتابة عمليا عام 2000، وتفرّغ لها تماما في نهاية ذلك العام، وعمل مراسلا لمجلة الآداب، وكتب في عدة صحف عربية مهمة، وظل ممنوعا من السفر حتى عام 2005.
"فيس بوك"
يعتبر من أكثر الكتاب تواصلا مع الشباب عبر "فيس بوك" والإنترنت، ومع اندلاع أحداث الانتفاضة السورية عام 2011، اعتبر ياسين الحاج صالح من منظّري الحراك الشعبي السوري الرئيسيين، وأدلى بعدة تصريحات قوية على القنوات الفضائية وحوارات صحفية كثيرة أجريت معه، وقد رفض الدخول في المعارضة كسياسي معارض لانشغاله بالتغطية الفكرية للثورة السورية.
ناشط سياسي
وهناك من يعتبره أحد الناشطين البارزين في الحراك الشعبي ولجان التنسيق المحلية من موقعه كمواطن ومثقف، ولعل مقالاته، التي كتبها في مخبئه السرّي، مثلت فسحة للتأمل والتحليل والقراءة الهادئة لأبعاد الثورة ووقائعها، وقد أطل بها عبر الإنترنت سلاحا وحيدا في عزلته، وبات ينتظرها كثيرون من القراء، تبعا لما تتميز به من عمق وجرأة.
الثقافة العربية
يثق الحاج صالح بالثقافة العربية، ويعتقد أن من شأن جهود تبذل في المجال الثقافي أن تكون مثمرة أكثر مما في أي مجالات أخرى. لدينا ثقافة تاريخية كبرى متكونة حول دين عالمي، هذه ميزة عظيمة، لكنها تحد تاريخي جسيم. أعتقد أن نهضة متجددة لثقافتنا مشروطة بمواجهة المشكلة الدينية، أو الغول الديني، وبأنسنة هذا الغول.
حق الإسلاميين في الحياة
ويدافع الحاج صالح عن حق الإسلاميين في الحياة السياسية، ويعتبرهم أقرب إلى مجتمعاتهم من نظم الطغيان الحاكمة، حيث دعا إلى تطوير الفكر الإسلامي والحياة الدينية والروحية في بلاده، وهو يرى أن الإصلاح الإسلامي يشمل عمليتين، داخلية وخارجية.
والخارجية هي المعني بها عموم العرب والمسلمين، ولا سيما الحداثيون والعلمانيون منهم، ويرى ضرورة فصل الدين عن السيادة، وليس السياسة، أي منعه من احتكار الولاية العامة أو ممارسة الإكراه، بينما الإصلاح الداخلي هو التجديد الذي يقوم به مسلمون مؤمنون من داخل المؤسسة الدينية.
نظرية "الغيلان الثلاثة"
للحاج صالح نظرية عن "الغيلان الثلاثة" في العالم العربي المعاصر: الأنظمة العربية، الإسلام، الغرب، ويعتبر أن العرب منقسمون بين هؤلاء الثلاثة، وأن كلا منهم يتحمل جزءا من مسؤولية الواقع العربي.
العلمانية
ينتقد أيضا الأصولية العلمانية، أو العلمانية الشعبوية، والثقافوية، التي تتمثل في تعالي بعض المثقفين على المجتمع واتهامه بالظلامية من قبل كثير منهم، ويعتبر أن الدين لا يمكن أن يكون المعرّف الوحيد الذي يتم به تعريف مجتمعاتنا، فالظروف السياسية والاجتماعية والدولية جزء أساسي من الواقع العربي، ويجب أن يتناولها التحليل ويبرز أثرها على الحياة والدين.
سوريا
إلا أن عمله الأبرز كان نقده الرصين لسياسات النظام السوري الأسدي منذ بدئه في الكتابة عام 2000، وحتى اندلاع الثورة السورية عام 2011، وقد كتب في الداخل السوري مقالات هامة جمع أبرزها في كتاب سوريا من الظل، وكان من أشهر ما قاله في أحداث الثورة أن "النظام هو المركّب السياسي الأمني المالي، أي الرئيس وأخيه والمخابرات ورؤساء أجهزتها وكبار ضابطها، وأصحاب المليارات من أبناء المسؤولين السابقين واللصوص الرسميين ومحاسيبهم"، وأن النظام غير قادر على تقديم مبادرة سياسية تهدد قضيته الأساسية وهي "الحكم إلى الأبد"، وليس فلسطين ولا الاستقرار كما يقول عن نفسه.
إصدارته
صدر له عام 2010 دراسة بعنوان "سوريا من الظل: نظرات داخل الصندوق الأسود" عن دار جدار للثقافة والنشر، كما صدر له عام 2011 عن دار الساقي كتاب "أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده"، وفي 2012 صدر له كتاب السيرة على قدم واحدة عن دار الآداب، وفي 2012 أيضا صدر له عن دار الساقي كتاب "بالخلاص يا شباب"، عن 16 عاما في السجون السورية، وتم تكريمه عدة مرات.