التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 01:59 م , بتوقيت القاهرة

على طريق البوكر.. جبور الدويهي روائي بنكهة لبنانية

<p dir="RTL" style="text-align: justify;">يعرف هذا الروائي كيف يختصر نبض المدينة، وكيف يجعل من المواقف البسيطة على أرصفتها حكايات لأبطال رواياته. جبور الدويهي أحد الأسماء اللامعة في الأدب العربي. ولد في "زغرتا" بشمال لبنان عام 1949. درس المرحلتين الإبتدائية والثانوية في مدينة "طرابلس" اللبنانية. قبل أن يحوز على إجازة في الأدب الفرنسي من كلية التربية في بيروت وعلى دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة باريس الثالثة (السوربون الجديدة)، ويعمل أستاذًا للأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية.</p><p dir="RTL" style="text-align: justify;">في منتصف التسعينات استطاع "الدويهي" أن يفرض نفسه بقوة على الساحة بعد روايته "اعتدال الخريف" والتي حازت على جائزة أفضل عمل مترجم من جامعة أركنساس في الولايات المتحدة، ثم تُرجمت إلى الفرنسية والإنجليزية<span dir="LTR">.</span> حاول الدويهي في هذا العمل أن يحول سيرة الأهل إلى حكايات وسرد قصصي مكتوب. وتتناول الرواية يوميات شاب عائد إلى بلدته الصغيرة بعد هجرة أمريكية وكيف تتفاعل معه كل الشخصيات المحيطة ومواقفهم اليومية.</p><p dir="RTL" style="text-align: justify;">قبل أن ينطلق الدويهي مرة أخرى بعمل راقٍ يحمل عنوان "ريا النهر" عام 1998، والتي تتناول الاغتراب بطريقة مختلفة؛ حيث يغرق أحد الرسامين ويُدعى "موسى" في النهر  بطريقة غامضة. تختلط الأمور وتجدّ صديقته "ريَّا" حالها عالقة بين فقدان "موسى" وغرفة الأهل التي كان يجلس فيها ويعمل على لوحاته الغير مكتملة. ربما يعشق الدويهي التفاصيل، يجعل منها حيّة وتنبض، ولذلك يُقال عن أعماله إنها بصرية بإمتياز وتشبه الكتابة السينمائية.</p><p dir="RTL" style="text-align: justify;">لكن رواية "مطر حزيران" التي صدرت في عام 2006، قبل أن تقوم دار "الشروق" المصرية بإعادة طبعها، هي العمل الأبرز في مسيرته الروائية. يصدّر الناشر الرواية بقوله:" أي مطر في حزيران/يونيو غير مطر الرصاص والنزاع الطائفي؟! مطر معركة "مزيارة" في شمال لبنان 1957! يوم يبدأ فيه التاريخ بصورة أخرى؛ تاريخ "إيليا الكفوري" الذي هربت به أمه من دوي الحرب إلى نيويورك ولم يرجع إلا بعد عشرين عامًا، ليسأل في ارتباك عن هويته.. تاريخ البيوتات الكبيرة والزعامات العائلية في برقا.. تاريخ لبنان الذي يلجأ إلى الدم كل حين لإقرار معادلة جديدة للديمقراطية الطائفية.</p><p dir="RTL" style="text-align: justify;">تتناول الرواية في أسلوب سردي مُحكم ولغة رصينة الحرب الأهلية اللبنانية والشتات الذي عانى منه اللبنانيون. في "زغرتا" هناك هاربون من العدالة، وأرملات بلا نصيب في المستقبل، وأطفال يعيشون على أطراف اليوم دون أمل في غدًا. يتعامل الكاتب مع كل حجر وشجرة في المكان لا يترك ركنًا في "زغرتا" إلا ويحفر فيه كأن الحرب لا تبهت صورتها.</p><p dir="RTL" style="text-align: justify;">وعن تقنية الكتابة يقول الدويهي في حواره مع جريدة "السفير" اللبنانية بتاريخ 23 سبتمبر 2012: "أمحو وأضيف وأمحو مجدداً بفضل نعمة برنامج<span dir="LTR"> Word </span>وإذا استطعت أن أحدّد سبب محوي لهذه الكلمة أو تلك أو إضافتي لغيرها أكون اكتشفت الآلية اللغوية التي هي جزء من إحساسي. والمحو والإضافة ليس إلاّ لتقريب النص من قبولي به فكيف لي أن أتألم"<span dir="LTR">.</span></p><p dir="RTL" style="text-align: justify;">لكن عمله "شريد المنازل" الرواية الصادرة في 2010 جلعت من "اللاانتماء" واقعًا ملموسًا. على غرار كولن ويلسون في "اللامنتمي" القصة التي لا تنسب النزاع الطائفي إلى فصيل بعينه؛ حيث الرواية عن وطن بأكلمه. تمتد تلك الرواية من عام 1952 حتى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية منتصف السبعينات. الرواية ملئية بالصراعات والهزائم والإنكسارات القومية المتتالية. فما بالك إذا كان اسم بطل الرواية "نظام". يظل السؤال على طول خط الرواية ماذا لو أصبحت الحرب واقعًا يُفرض على البطل ويدفع ثمنه كخسائر فادحة؟</p><p dir="RTL" style="text-align: justify;"><img src="https://dotmsrstaging.s3-eu-west-1.amazonaws.com/uploads/uploads/setheight414-11.resized.jpeg" /></p><p dir="RTL" style="text-align: justify;">في القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية التي صدرت الاثنين، رُشح جبور الدويهي مجددًا عن روايته "حي الأمريكان" وقد أعرب عن سعادته البالغة بذلك الترشح. بغلاف مميّز للفنانة اللبنانية "زينة عاصي" أصدر الدويهي رائعته "حي الأمريكان" التي تتناول الواقع العربي بكل تشكيلاته. يبدأ من مدينة طرابلس اللبنانية وتحديدًا من حي الأمريكان، ليُسلط الضوء على المنطقة العربية ككل. إنه الواقع الذي يعيشه المواطن العربي في كل يوم. يقول الكاتب "هاني الطويل" في هذه الحي تنجب "انتصار" أبناءها الثلاثة، وترث خدمة "آل عزام" عن والدتها. ينما يرث ابنها إسماعيل عن والده مسدساً استخدمه الأب سابقاً في معركة انتقامية لمقتل أحد الشيوخ، كما يرث عن محيطه سلفيّة دينيّة تقوده إلى العراق سعياً خلف مصير يجهل كنهه. هاتف نقّال يبثّ آيات قرآنيّة عند الرنين بات الأمل الوحيد لانتصار للاطمئنان إلى ولدها. هاتف يرنّ مراراً وتفشل بالردّ عليه. انتصار التي يسعى ابنها للخلاص مما هو فيه توقاً إلى دفئها، والتي لم ينس سليل آل العزّام طعم تفّاحها المغطّس بالسكر. يتلاقى وريث حي الأميركان مع وريث آل العزّام مجدداً، وتتلاشى المسافات بواسطة سرّ مشترك. بينما يهيم والد اسماعيل على وجهه راوياً بطولاته في موقعة باب الحديد، مضيفاً إليها بطولات ابنه الشهيد.</p><p style="text-align: justify;">مسيرة روائية مميزة بدأها جبور الدويهي الذي يعمل حاليًا أستاذًا للأدب الفرنسي بالجامعة اللبنانية، وكاتب افتتاحيات وناقد أدبي في مجلة<span dir="LTR"> L’Orient Express  </span>ومن بعدها في ملحق<span dir="LTR"> L’Orient litteraire </span>الصادرَين في بيروت. ربما يظل هذا الصوت مرآة المجتمع اللبناني المعاصر.</p>