التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:50 م , بتوقيت القاهرة

القاهرة 30 ليه؟

مش عارف ليه قرر صلاح أبو سيف سنة 1966 إنه يحول رواية نجيب محفوظ "القاهرة الجديدة" لـ فيلم. 
الرواية اتنشرت سنة 1945، والمفروض وقتها إنها معاصرة، وبـ تحكي واقع القاهرة "المعاصرة"، وإن التفاعلات مش هـ تجيب غير النتايج دي، ومش هـ تجيب غيرها.
ببساطة، تقدر تكتشف إن تفاعلات نجيب محفوظ نفسها مازالت مستمرة، ومازالت بـ تفرز نفس النتايج وإحنا في 2015: الثوري والإسلامي (اللي بـ يدوروا على عالم مثالي مش موجود) والعدمي والانتهازي (اللي بـ يغرقوا في اللي موجود لآخر نقطة) في جو عام من الفساد والإفساد، وانتصار التفاهة على الجدية، وطظ كبيرة بـ تغلف كل شيء.
ومع كده، صلاح أبو سيف قدم الرواية في الفيلم، وكأنها بـ تحكي قصة من الماضي، حكاية من زمن فات وعهد بائد، من أول ما خلى الفيلم اسمه "القاهرة 30" بدل القاهرة الجديدة، لـ حد ما حشر شوية تفاصيل سياسية ورموز مباشرة سطحت الموضوع من وجهة نظري، وعملت خلل كبير ف المعادلة المحفوظية السحرية.
هـ تلاقي في الفيلم خط عن دستور 23 وإلغاؤه، ودستور 30، وصدقي باشا، والبرلمان، وهجوم على أرستقراطية ما قبل 23 يوليو، باعتبارهم بـ يلحسوا جزم الإنجليز والسرايا (مع إن العلاقة بين الإنجليز والسرايا مكنتش سمن على عسل) وكلهم يا إما نيروز هانم اللي ما بـ تعرفش تتكلم عربي يا إما قاسم بيه العربيد اللي بـ يستغل حاجة الفقرا للفلوس، (وكأن مكنش فيه طلعت حرب مثلا). 
وده مش معناه إن ما قبل يوليو كان جنة، وطلعت حرب بـ يمثل كل الباشوات، بـ اتكلم بس عن إن الخط ده كله تبسيط مخل جدا لعلاقات كانت شديدة التعقيد، ومكنش أبدا فكرة الرواية.



حاجة تانية مدهشة، مفيش في الفيلم مأمون رضوان، ودي حاجة غريبة جدا، مأمون كان الصوت المقابل لـ صوت علي طه مش محجوب عبد الدايم. الاتنين بـ يطالبوا بأفكار  هم قبل غيرهم عارفين إن تنفيذها يكاد يكون مستحيل، وكأن اعتناق الفكرة مش أكتر من محاولة للتسامي عن المجتمع الفاسد، والإحساس بـ نقاء ما يبعدهم عن المجتمع القذر.
المقابل لـ محجوب عبد الدايم هو أحمد بدير، اللي هم الاتنين طينة واحدة، غايته إن بدير عايز يلعبها بـ شياكة أكبر، ومحجوب عايزها صريحة، وقحة، فجة مناسبة لفجاجة المجتمع ووقاحته.
بالمناسبة، من أكتر الحاجات اللي أفسد بيها صلاح أبو سيف عالم محفوظ هو المشهد الشهير لمحجوب عبد الدايم وهو مركب قرنين، وده بـ يختزل مشكلة عبد الدايم في إنه منحرف جنسيا أو قواد، مع إننا لو دققنا شوية هـ نلاقي القواد هو سالم مش محجوب.
محجوب ما سعاش أبدا للوضع البائس اللي اتحط فيه، مخدش إحسان من إيدها ووداها لـ قاسم بيه، بالعكس، هو طول الوقت مأزوم من الوضع، وعمره ما وصل لـ مرحلة الرضا، ومفيش في الرواية أي إدانة لـ محجوب، ولا تبرير برضه، فقط تشريح لـ حالة.
في الفيلم برضه، شبه تعاطف وتبرير لـ إحسان شحاتة، على عكس الصرامة مع نموذج محجوب عبد الدايم، فـ النتيجة اللي طلعت بيها من الفيلم، إنها "نضيفة" من جوه، غيرش الظروف، هي ضحية مجتمع مش بـ يرحم، اضطرت تضحي بـ شرفها علشان إخواتها الصغيرين ما يشحتوش في الشوارع، ويلاقوا أكلة وهدمة. ولـ حد آخر لحظة بـ تسأل عن علي طه وتطمن عليه.
الفيلم أهدر كل الصراع النفسي للشخصية في الرواية، اللي هو برضه مش بـ يبرر لها، ولا بـ يدينها، هو بـ يرصد حالة.
مش عارف، جايز أكون قاسي مع الفيلم، بس فعلا كتير بـ أسأل نفسي، ليه يا عم أبو سيف، ما الحواديت كتير، اخترت القاهرة الجديدة ليه بس يا أخي حرام عليك؟
لعنة الله على السياسة، مش كفاية بوظت الواقع، كمان هـ تبوظ علينا الأدب.