إبراهيم أصلان.. سفير المهمشين والبسطاء
قد لا تتطلب الموهبة من صاحبها شهادات متخصصة، أو وضعا اجتماعيا مرموقا، كما يتصور البعض، لكن الموهبة كميراث إلهي يهبه لمن يريد دون قانون أو سبب، فالموهبة مع القليل من العلم تصنع ما لا تصنعه الشهادات، وهذا هو لسان حال الأديب الراحل إبراهيم أصلان، المعبر بشدة عن المهمشين، والمتأثر بأولئك الذين لا ينظر إليهم أحد.
إمبابة والكيت كات، أماكن حاضرة في ذاكرة أصلان، طغت على كتاباته، خاصة في بداية حياته الأدبية، تلك الصور التي عايشها والتقطها في حياته اليومية، انطبعت في ذاكرته وانعكست في أولى أعماله "بحيرة المساء" وحتى "مالك الحزين"، لا يمكن أن نقول أن أصلان لم يتأثر بالأماكن، فظلت بصمة تلك الأماكن على أعماله حتى رحيله.
أصلان من أولئك الذين لم يستقروا في حياتهم، ولم يسانده الحظ في الانتظام التعليمي، فها هو يتعلم تارة فنون السجاد ويتوقف لينتقل إلى مدرسة صناعية، حتى انتهى به الحال موظفا بهيئة البريد، والعمل كـ"بوسطجي"
البوسطجي مهنة موحية، هذا الذي يحمل رسائل الآخرين، وآلامهم وأفراحهم وقصص حبهم، لا يمكن أن يتوقف شخصا عاديا يمتهن تلك المهنة دون أن يفرز ما احتقن به، إلا لو كان مبدعا، ملهما بالفطرة، شفاف المشاعر كإبراهيم أصلان الذي كتب "وردية ليل"
شخوص إبراهيم أصلان في جميع أعماله تتسم بـ "المحلية" وهي شخصيات حقيقية تعيش بيننا، ورواياته هي الواقع، هي صورة مصر، برع الراحل في تجسيد معاناة البسطاء، بتفاصيل حياتهم اليومية وهزاءمهم، يمكن أن يقال عن أصلان أنه رسام إضافة إلى كونه أديب، لأنه أجاد تصوير كل الزوايا وسلط الضوء على ما لا يراه العادي، عاش إبراهيم أصلان مرحلة الحلم والانكسار والتحولات الاشتراكية، فكتب بشفافية مطلقة قصصه القصيرة عن مواقف عابرة، وعن بشر يلتقون لأول مرة، أو يبيعون أشياء بسيطة، ويبحثون عن أنفسهم في عالم متناقض فيه الخير والشر والطمع والقناعة والخبث والطيبة والشجاعة والجبن، والمهمش والمنسي، ونجح كثيرا في الكتابة عن أحلام الطبقة الوسطى، والفقراء، الذين يحلمون ويحزنون، وتتحول مطالبهم البسيطة، إلى أحلام وأهداف يخوضون من أجلها المعارك اليومية.
يقول يوسف القعيد عنه "يجب أن يقام لإبراهيم أصلان تمثال في مدخل حي إمبابة، لأنه خلّد هذا المكان في كتاباته، ولولا أصلان ما كانت الدنيا قد عرفت هذا الكيان الذي كنّا ننظر إليه دائماً بوصفه مبعثاً للمشاكل، ومنطقة للعشوائيات، لكن أصلان نظر إليه نظرة إنسانية وفنية وأخذ أجمل ما فيه"
ويقول النقاد "أن السرد عند إبراهيم أصلان يتسم بالتركيز والتكثيف والإيجاز والاقتصاد في لغة الوصف، والدقة في التراكيب الدالة، لتكون الأحداث بديلًا عن جمل الوصف، وتكون انفعالات الأشخاص بديلًا عن وصفها من الخارج، وإذا اضطر الكاتب إلى أن يصف فإن الوصف يأتي لأهداف محددة".
اليوم مر 3 سنوات على رحيل سفير المهمشين والبسطاء إبراهيم أصلان المولود سنة 1935 في طنطا، ووافته المنية في 7 يناير 2012