التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 01:33 م , بتوقيت القاهرة

الجنس والسينما المصرية

تعتبر مشكلة الجنس واحدة من أهم المشاكل التي تواجه السينما المصرية منذ مولدها حتى اليوم فأغلب الأفلام المصرية التي عالجت هذا الموضوع الحيوي وقفت منه موقفا سطحيا لا يرتفع إلى مستوى المناقشة الجادة أو الموضوعية العلمية، مفتقرة في هذا إلى العمق والصراحة.
ولا يرجع السبب في هذا، كما يرى البعض، إلى طبيعة المجتمعات الشرقية التي تفرض نوعًا من "الحياء" أو "الإخفاء" تغلفت به تلك الموضوعات بقدر ما يرجع في الغالب الأعم إلى تلك النظرة الضيقة لمفهوم الجنس عند سينمائيينا التي تجعلهم، عن عمد أو عن عدم فهم، يتجهون إلى التجارة السافرة.. من خلال استغلال مشاهد الإغراء والأجساد العارية كسلعة رابحة دون أن يكون للجنس أي مدلول اجتماعي أو سياسي أو فكري واضح ينمو من خلال الحدث الدرامي.
 فلا تصبح بذلك العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة علاقة إنسانية خصبة وخلاقة تقود الإنسان عن طريق المتعة الحسية إلى المتعة العقلية والروحية.. بقدر ما تصبح علاقة شهوانية ذميمة تستهدف الإثارة الرخيصة، فتبدو مفصولة عن مبرر وجودها وإمكانية استمرارها، غير قادرة على استشعار المعنى الحقيقي للجمال الذي يعبر عنه  "د.هـ. لورنس" بقوله: "إن الجنس بمعناه الحقيقي والجمال شيء واحد مثل اللهب والنار، فإذا كنت تبغض الجنس، فأنت تبغض الجمال أيضاً.. لا يمكن الفصل بين الجنس والجمال لأنهما مثل الحياة والشعور والذكاء الذي يتماشى مع الجنس والجمال وينبُع منهما الحدس".
أي أن "لورنس" كان يرى أن الرغبة الجنسية الحقيقية تنطوي على الشعور المتصل بالجمال شعورًا يرتفع إلى مستوى الرمز، ويتصل بفكرة الخصوبة والنماء والتواصل والتوحد والرغبة في معانقة الطبيعة والعودة إلى أسرار لحظة الخلق الأولى.
كل هذه الأبعاد تستطيع أن تدركها عند "لورنس" في أعماله التي تحوّلت إلى أفلام سينمائية، مثلما ندركها من خلال قراءة رواياته.. ففي فيلم "نساء عاشقات" مثلاً.. استطاع المخرج "كين راسل" أن يُجسد الأبعاد الاجتماعية والنفسية "لرواية لورنس" من خلال تلك اللحظات الشعورية الدقيقة من حياة الشخصيات الرئيسية والتي تستمد من الجنس قوة دافعة لتفسير العالم والأشياء من حولها، ذلك دون أن يقع المخرج في الابتذال أو الإسفاف.
 فالأبطال قد يتجردون من ملابسهم.. ولكن النعومة الشديدة في استخدام مفردات اللغة السينمائية.. الإضاءة الدرامية الخلاقة.. الإيقاع الشاعري المتماسك الذي يرتبط بالحدث نفسه ولا ينفصل عنه طمعًا في بهجة شكلية.. الحركة ذات المدلول التعبيري والرمزي عن طريق غني وعمق الموضوع نفسه.. استطاع المخرج أن يترجم باقتدار أفكار "لورنس"، على صعوبتها وحساسيتها البالغة، بمهارة وحِذْق.


كما يبدو الجنس عند "أنطونيوني" وخاصة فيلم "الصحراء الحمراء" نوعا من المحاولة اليائسة التي تبذلها الشخصيات ليصنعوا جلودا سميكة حول أنفسهم تحميهم من خطر الآلية الحديثة.. كما يؤكد المخرج العالمي "فيلليني" في فيلمه الكابوسي "سايتركون" أن "روما" القرن الأول بعد الميلاد هي روما اليوم.. وأن عالما يمثل هذا الشذوذ والانحلال الجنسي لا سبيل إلى إصلاحه.
ولا تخلو السينما المصرية من أمثلة جيدة لأفلام تناولت موضوع الجنس بفهم حقيقي "القاهرة 30" و"بداية ونهاية" و"شباب امرأة" لـ "صلاح أبو سيف" و"الحرام" و"دعاء الكروان" لبركات.. و"باب الحديد" والاختيار "ليوسف شاهين" إلا أن هذه الأفلام، على قلتها، لا تُشكل اتجاهًا عامًا بقدر ما تعكس المجهودات الفردية الصادقة لبعض كتاب السيناريو وبعض المخرجين.
فمثلا في فيلم "القاهرة (30)" لا يبدو الجنس مفصولاً عن المدلول الاجتماعي والسياسي.. كما استطاع "صلاح أبو سيف" في فيلم "بداية ونهاية" أن يجسد من خلال شخصية "حسنين" وشخصية "إحسان" أبعاد المأساة كاملة كما رسمها "نجيب محفوظ"وكثفها في عبارة "حسنين": "ما أجمل أن أملك هذه الفيلا وأنام فوق هذه الفتاة.. ليست شهوة وحب ولكنها قوة وعزة.. إذا ركبتها ركبت طبقة بأكملها".
ذلك بينما تبقى الغالبية العظمى من الأفلام ظلاً أو امتدادًا لأفلام ما بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت تستهدف أولاً وأخيراً الربح السهل السريع باستعراض مختلف أنواع "المشهيات الجنسية" واستدعاء الرغبات السفلى لدى المتفرج.. وصولاً إلى أفلام "السبكية".. وما أدراك ما "السبكية".