التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:51 م , بتوقيت القاهرة

رضوى عاشور.. نسيم البخور

إذا كنتَ مهتما بالأدب فالأكيد أنك عَرَجتَ على أحد أعمال رضوى عاشور وكتاباتها يومًا ما، وبعد رحيلها عنا الأيام السابقة بعد صراع طويل مع المرض تذكرنا أعمالها الرائعة التي لا يجود مقالٌ بذكرها جميعًا مع سيرتها الذاتية، ولكن نسيمًا من البخور كنسيمها يُعرفنا قليلاً على بعض روائع رضوى عاشور .


رضوى عاشور ولدت عام 1946 في المنيل في القاهرة، وفي عام 1967 مع النكسة التي مُنيت بها مصر، انتقل مريد البرغوثي الشاعر الفلسطيني من بلاده مُكرهًا لتحط عصافير القدر به في القاهرة ليعشق هذه الفتاة الصغيرة والكاتبة، وفي عام 1979 تم منع زوجها من الإقامة في مصر مما أدى إلى تشتيت أسرتها .


رواياتها الشهيرة ثلاثية غرناطة، الطنطورية، سراج وتقارير السيدة راء.


الرواية الأكثر شهرة لرضوى عاشور ثلاثية غرناطة والتي حازت بفضلها على جائزة أفضل كتاب لسنة 1994 على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهي ثلاثية تتكون من ثلاث روايات غرناطة - مريمة - الرحيل وتدور الأحداث في مملكة غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس وتبدأ أحداث الثلاثية عام 1491 وهو العام الذي سقطت فيه غرناطة بإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبدالله محمد الصغير آخر ملوك غرناطة عن ملكه لملكي قشتالة وأراجون وتنتهي بمخالفة آخر أبطالها الأحياء "علي" لقرار ترحيل المسلمين، حينما يكتشف أن الموت في الرحيل عن الأندلس وليس في البقاء.


رواية لا تشعر للحظة أنها رواية، حين تندمج في الأحداث تشعر كأنَّها حياة، كأنَّهم جيرانك أو أحباء قدامى ينفطر قلبك حزنًا لما حل بهم فهي رواية موجعة يشعر كل من يتشدق باللغات الأخرى ويتركون العربية لغتهم الأم بالخجل، وبأنهم يضيعون اللغة العربية، بينما كان هناك من يموتون نتيجة التحدث بالعربية، وترى أنك نسيت عاداتنا العربية التي تشعر بجمالها عند قراءة الرواية وتشعر بحجم فجيعة أن تُحرم من ممارستها وتُهمل الكتب وتراها بلا ثمن في حين ماتوا هم من أجل الاحتفاظ بها.


رضوى عاشور أثرت حياتها بتنوع أنشطتها الأدبية ما بين الروايات والنقد الأدبي والترجمة والتدريس الأكاديمي. 


من روايات رضوى عاشور الشهيرة أيضًا " الطنطورية " نسبة إلى قرية الطنطورة الواقعة على الساحل الفلسطيني جنوب حيفا، هذه القرية التي حدثت فيها المذبحة عام 1948 على يد العصابات الصهيونية، وتتناول الرواية هذه المذبحة كمنطلق وحدث من الأحداث الرئيسية لنتابع حياة عائلة اقتلعت من القرية وحياتها عبر ما يقرُب من نصف قرن إلى الآن مرورًا بتجربة اللجوء في لبنان، بطلة الرواية هي امرأة من القرية يتابع القارئ حياتها منذ الصبا إلى الشيخوخة، فالرواية تمزج في سطورها بين الوقائع التاريخية من ناحية والإبداع الأدبي من ناحية أخرى .


أحد روايات رضوى عاشور الجميلة أيضًا "سراج" التي تُبرز فيها لغة رضوى الراقية الأخاذة تتحدث عن جزيرة عربية متخيلة بالطبع عن أحوالها عن شعبها وعبيدها عن نسائها عن سلطانها عن الطامعين فيها فتأخذك رضوى وتُبحِر معها في بحر الخيال الجميل لترسو بك على شاطئ الماضي بكل حكاياته، فتحكي لنا حكاية حاكم ظالم لم يقبل شعبه الذل والهوان لم يقبلوا أن يتحكم في مصائر أبنائهم ذلك الظالم الذي أحال حياتهم إلى جحيم.


واستنزفت لآخر نفس لتأتي "رؤيا" الولد سعيد لتكون بمثابة السراج الذي يضيء لهم الطريق لمواجهة الحاكم، فثار عليه شعبه ولكن يفاجئهم القدر، حيث يقوم المستعمر بحمايته ويُحبط كل محاولاتهم، الرواية تقوم على لعبة حيث تصور مكاناً متخيلاً ففي خلفية المكان المتخيل ترى تاريخاً فعليًا لا نزال نعيش بعض تنويعاته حتى الآن .


رضوى عاشور أثرت حياتها بتنوع أنشطتها الأدبية ما بين الروايات والنقد الأدبي والترجمة والتدريس الأكاديمي وأيضًا المشاركة في الحياة السياسية فكانت بحق نسيم البخور .