هيلزبره..كارثة رسخت مفهوم الوفاء في عقول الريدز
“لن تسير وحدك أبدا” هي الأغنية التي كتبها رودجرز وهامرشتاين لمسرحيتهما الغنائية، قبل أن تتخذها الجماهير منهاجا لحياتهم التي كرسوها لمعشوقهم الأول ليفربول.
جمهور ليفربول صدق النية في أغنيته، فكان القدر على عهده، ومنحهم فرصة البقاء بجانب من أحبوا حتى لفظوا أخر أنفاسهم.
أشرقت شمس الخامس عشر من أبريل واقتربت عقارب الساعة من موعد المباراة في الثالثة عصرا، هو التاريخ الذي حُفِر في أذهان عشاق ليفربول تاركا ورائه جرحا لم تداويه السنين، هؤلاء وصلوا من أنحاء المدينة فرحين ومهللين وطامحين للوصول للمباراة النهائية من كأس إنجلترا على حساب نونتنجهام فوريست، ليكتبوا صفحة نجاح جديدة في تاريخ النادي العريق.
صدمة أولى نغصت فرحتهم بعد أن استوقفتهم أعمال صيانة مفاجئة في الطريق المؤدي للملعب وهو ما تسبب في وصولهم قبيل المباراة بدقائق، تعود البسمة لوجوههم مرة أخرى بعد أن لمحت أعينهم بريق تلك البوابات التي نُحت عليها شعارهم المفضل “ لن تسير وحدك أبداً”، وفي ظل غياب سيطرة رجال الأمن تدفق نحو ثلاثة آلاف مشجع نحو البوابتين الثالثة والرابعة في محاولة مستميتة للحاق بالمباراة قبل صافرة البداية، وحينما شعر رجال الأمن ببوادر كارثة جديدة قرروا بدون تفكير فتح بعض الأبواب المؤدية لتلك الجهة الغربية من المدرجات مرددين أنباء عن وجود أماكن شاغر”، وهنا وقعت الكارثة .. الجميع يتدافع بلنيل شرف مساندة فريقه عن قرب.
وسط الهتاف والتشجيع الحماسي.. لحظة صمت صادمة
أصوات الهتاف تتبدل بعويل، وملامح الفرحة تتحول في لحظات لأوجاع وأهات، الجماهير ترى أقرانهم على الجانب الأخر يدهسون بعضهم متشبسين بأمل زائف في النجاة من الموت.
الألاف المتدافعة لحجز مكان في المدرجات، بتوصية من رجال الأمن التي أوهمتهم بوجود أماكن شاغرة في المدرجات.
ولكن أين رجال الشرطة المساهمين في تلك الواقعة بسوء التنظيم..!!
في الدقيقة السادسة من عمر المباراة التي لم تتوقف خلال تلك اللحظات المفزعة، انتبه المسؤلين للكارثة فأوقفوا المباراة وقرروا فتح تلك الأبواب المحصنة بسياج قتل العشرات، ليسرع الجميع إلى أرضية الملعب بعد أن كُتب لهم حياة جديدة “تحاصرها الذكريات المؤلمة”.
قانون جديد غير مسار الكرة الإنجليزية بعد تلك الواقعة التي راح ضحيتها رجال ونساء وأطفال تراوحت أعمارهم ما بين "10 إلى 67 عاماً" عُرف بـ"تايلور" وضعه قاض بمحكمة الإستئناف يدعى اللورد بيتر موراي تايلور، سن فيه إزالة السياج الذي يضاعف الأزمات ويشعر المتفرجون بأنهم كالمساجين أو كحيوانات، كما أوصى بضرورة توفير مقاعد للجمهور مع إلغاء المدرجات التي تقف بها الجماهير منعاً لتكرار كارثة جديدة مثلما حدث في هيلزبره.
ومع مرور الأيام .. ظن الجميع أن اليوم المشئوم بتفاصيله التي مازالت تسكن قلوب مشجعي الفريق على مر الأجيال قد انتهى، ولكن تصريحات مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك جددت الآلام وعمقت الجراح، فبدلاً من أن تقدم إعتذارها عن ما حدث في عهدها مع معاقبة هؤلاء المساهمين في وقوع الكارثة من رجال سلطتها، اتهمت مشجعي الفريق والضحايا بالهمجية مشيرة إلى أنهم السبب الرئيسي وراء الحادث بسبب تناولهم للمُسكِرات، ومن هنا بدأ عداء جمهور الريدز للمرأة الحديدية.
على مدار نحو ثلاثة وعشرون عاماً لم تتوقف الجماهير في كل مباراة عن التنديد بضرورة إظهار الحقيقة عبر لافتات كتب عليها “ اكتشفوا الحادث قبل أن تموت تاتشر”،ومطالبين بعقاب كل من أخفق في إنقاذهم، ولكن تاتشر لم تعدل عن رأيها حتى تركت منصبها لديفيد كاميرون الذي أعاد فتح الملف الشائك في عام 2012 حتى توصل لتقرير أدان الشرطة في سوء تنظيمها والسيطرة على الحادث الأليم، مؤكداً عبر مؤتمر عقده خصيصاً لرد المظالم إلى أهلها أن رجال الأمن هم السبب الرئيسي في سقوط الضحايا وأن السلطة الحاكمة هي من تعمدت التستر على الحادث بتلفيق التهم للمشجعين.
خطاب ديفيد كاميرون
بعد تلك السنوات التي ضاعفت آلام المشجعين وعلى الرغم من ظهور الحقيقة وإعتراف الدولة بها، رفضت جماهير الريدز الإحتفال ببرائتهم قبل وفاة تاتشر التي تسربت أخبار مؤكدة لهم عن مرضها .. لترفع الملاعب لافتة “سنحتفل ولكن بعد موت العجوز الشريرة تاتشر”.
رحلت تاتشر وكسر برحيلها جمهور المدينة بروتوكول الدولة التي .اقرت الحداد ومراسم الحزن على بريطانيا بأكملها إلا “ليفربول”، أفراح وإحتفالات وسعادة بالغة دبت أرجائها بعد أن تحققت العدالة الإلهية بوفاتها “على حد قولهم”، فزينوا الشوارع بلافتات كتب عليها “ارقدي في العار” و “لقد ماتت العاهرة” بخلاف ما كتب على الجدار كــ “تعفني في الجحيم”
موقف تحمل جمهور ليفربول الظلم والقهر لسنوات عديدة بسبب تلك المرأة الحديدية دفع بعض الأندية و الإتحاد الإنجليزي لرفض فكرة الوقوف دقيقة حداد في الملاعب الإنجليزية على روح من اختارت مُعادة جماهير كرة القدم بأكمله.
لينهي الجمهور عدائه وقتها بلافتة جديدة قالوا فيها “دقيقة الحداد هي فترة طويلة جدًا، فترة لا تستحقها الحديدية التي تنصهر في الجحيم الآن"
26 عاماً مرت على حادثة هيلزبره، تغيرت فيها الوجوه مع تغير فكر الأجيال المتلاحقة،
والجمهور الذي تحمل الصعاب ثم خانته الأمجاد فغيبت عنه بطولات كان هو رائدها في حقبة من الزمن، ظل يؤمن بحقيقة واحدة ثابتة في عقول كل مشجع للريدز.. طالما حيينا، لن تسير وحدك أبدا ليفربول.