توظيف الأموال.. الدولة والبنوك في قفص الاتهام
ما بين حلم الثراء السريع الذي يحركه الطمع والجشع، والتطلع لإخفاء مصادر أموالهم المشبوهة، يهرب بعض المصريين بـ "تحويشة العمر" من الجهات المشروعة كالبنوك والبريد وغيرها إلى أحضان النصابين.
النصب وجمع الأموال بالملايين، تحول من حالات فردية إلى ظاهرة تضرب المجتمع المصري الآونة الأخيرة، فما بين المستريح الذى جمع ما يفوق 200 مليون من عمليات نصب متفرقة في مختلف محافظات الجمهورية، يظهر بين الحين والآخر نصابون آخرون، وإن اختلفت إغراءاتهم وحصيلة نصبهم.
الطمع والجشع وغياب الرؤية وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، وبعض الاتهامات الأخرى التي تطال مصادر أموالهم، قد تكون مبررا لوقوع المواطنين في "فخ النصب"، ولكن تبقى للدولة ومؤسساتها وعلى رأسها البنوك الدور الأبرز في القضية.
غياب البنوك الفعلي عن خطط الأفراد الاستثمارية إما لتعقد إجراءاتها أو لتدني عوائدها قاد البعض من قليلي الخبرة إلى السقوط ضحية للنصب، بجانب غياب دور الحكومة الرقابي والتوعوي للمواطنين، خاصة ممن ليس لديهم سابق خبرة اقتصادية.
قضية رجل الأعمال الذي ذاع صيته في الفترة الأخيرة، أحمد مصطفى الشهير بـ"المستريح" الذي استولى على أكثر من 200 مليون جنيه من المواطنين، لم تكن هي الأولى من نوعها، في مسلسل احتيال أصحاب شركات توظيف الأموال تاركين ضحاياهم في مواجهة المجهول، ولكن تعددت الحالات، ما يطرح تساؤلات حول ما هي الأسباب التي دفعت هؤلاء للجوء لتلك الشركات.
تدني فوائد البنوك
عزوف البعض من التعامل مع فوائد البنوك، إما للحرمانية أو تدني تلك الفوائد، يعد دافعا قويا للمخاطرة بأموالهم في شركات توظيف الأموال، بحسب تأكيدات الخبير الاقتصادي رشاد عبده، قائلا: هناك عددا من الأسباب وراء دخول المواطنين لهذه الشركات، أولها معدل الفائدة، إذ تلعب شركات توظيف الأموال على "الطمع" عند البشر، هذا إلى جانب إمكانية أن تكون هذه الأموال من مصادر غير شرعية.
ويمثل عدم ثقة المواطن في الحكومة والبنوك أزمة كبيرة تدفعة للهروب نحو شركات توظيف الأموال، فقد تلجأ الحكومة لفرض ضرائب على الودائع البنكية ما يؤدي إلى قلق المودعين وهروبهم لشركات توظيف الأموال، بحسب الخبير الاقتصادي.
ويطالب عبده البنوك والحكومة بحملة للتوعية وإعادة النظر في بعض السياسات، مشيرا إلى أنه كلما ارتفع حجم الفائدة فهو يمثل فرصة للمودعين وعبء على الدولة.
الدولة السبب
ويختلف معه الخبير المصرفي محمد فاروق، في أن اللجوء لشركات توظيف الأموال لا يعد جشعا أو طمعا، لافتا إلى أن هذا يعد أحد آليات الاستثمار، مشيرا إلى أن شركات توظيف الأموال هي كيان اقتصادي، تقام على علم من جانب الدولة وأجهزتها الرقابية، ولكن عمليات النصب ترجع لقصور من أجهزة الدولة، فهي لا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة.
وضرب فاروق مثالا يوضح رأيه حيث قال: "لو في مستشفى قطاع خاص ومبتديش خدمة طبية بالمواصفات المطلوبة، ده مش ذنب المريض ده ذنب الأجهزة الرقابية وبالمثل الاستثمار في شركات توظيف الأموال"، وأضاف أن المواطنون يلجأون إليها نظرا لعوائدها الكبيرة.
ضعف الثقة
وأكدت الخبيرة المصرفية الدكتورة بسنت فهمي، أن السبب في انجراف المواطنين وراء "النصابين" يرجع لضعف ثقتهم في الجهاز المصرفي، بعد تقصير البنوك في الترويج لنفسها عن وجود أسعار فائدة عالية، بجانب ترويج البعض بأن الفائدة من البنوك تعد حراما.
وأضافت فهمي خلال حوارها مع الإعلامي عمرو عبد الحميد مقدم برنامج "حوار القاهرة" عبر فضائية "سكاى نيوز عربية" أن الجهاز المصرفي هو السبب وراء ابتعاد المواطنين عن البنوك، مطالبة وزارة الثقافة والأجهزة الرقابية بتنوير المجتمع.
وتعددت عمليات النصب على المواطنين في شركات توظيف الأموال، لعل من أبرزها "الريان" لصاحبها أحمد الريان، الاسم الذي جسد أول امبراطورية استثمارية تقوم على تشغيل أموال المواطنين في ظل ضعف الدعم الرسمي للمشروعات متناهية الصغر، وانتهت أسطورته بالسجن 20 عاما بتهمة الاستيلاء على أموال المودعين.