سرية الحسابات الباب الخلفي لتهريب الأموال
تتسم العلاقة بين البنوك وعملائها دائما بالسرية، التي بموجبها يجب على البنوك كتمان أسرار عملائها والاحتفاظ بالمعلومات المتعلقة بأمورهم المالية ومنع موظفيها من نقل هذه المعلومات.
في القرن الماضي توسعت الدول في تقنين هذه الخصوصية بتشريعات تلزم المصارف بحفظ أسرار عملائها، وهو الأمر نفسه الذي اتبعته مصر بالقانون رقم 205 لسنة 1990، والذي نص على أن "تكون جميع حسابات العملاء وودائعهم وأمانتهم وخزائنهم في البنوك وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية، ولا يجوز الإطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة أو من أحد ورثته أو من أحد الموصي لهم، بكل أو بعض هذه الأموال، أو من النائب القانوني أو الوكيل المفوض في ذلك أو بناء على حكم قضائي أو حكم محكمين".
الحسابات في البنوك السويسرية
تعد سويسرا أكثر البلدان عناية بمسألة السرية المصرفية، وللبنوك فيها تقاليد عريقة في هذا الصدد، إضافة إلى القوانين الصارمة التي تحمي عملاء البنوك وتلبس المعلومات المتعلقة بهم ثوب سميك من الكتمان والسرية.
وتقدم أنظمة المصارف في سويسرا مثالا لأعلى ما وصلت إليه العناية بالسرية في أعمال المصارف، وهو ما جعلها بابا لكي يضع الأثرياء والملوك والحكام وحتى اللصوص أموالهم بتلك البنوك، وبنت سويسرا هذه السرية بواسطة قانون سنته في عام 1934، يجعل من الكشف عن هوية العميل دون أذنه جريمة ترتكبها البنوك، ويمنع هذا القانون أي جهة مهما كانت من إجبار البنك على إفشاء معلومة تخص الحساب، والاستثناء الوحيد هو أن يكون الحساب متعلق بعمل إجرامي كالتجارة بالمخدرات أو التجارة بالبشر.
وتعد أعلى درجات السرية هي تقديم بعض البنوك السويسرية حسابات مرقمة، وهي حسابات لأصحاب المبالغ الكبيرة لا تظهر سوى الرقم دون ذكر اسم العميل أو أي معلومة أخرى.
الحسابات في سويسرا لم تعد سرية
ظلت البنوك السويسرية لعقود طويلة متميزة عن غيرها في دول العالم بأنظمتها السرية تجاه حسابات المودعين والأثرياء، حيث كانت سويسرا وجهة لرؤوس الأموال التي يريد أصحابها اكتنازها بسرية تامة، وكان لتلك الأموال الفضل في النهوض بسويسرا على الساحة الاقتصادية العالمية خلال القرن العشرين.
وطوال عشرات السنين كانت الأموال المهربة من دول العالم الثالث إلى البنوك السويسرية محاطة بالكتمان، إلا أن هذا الموقف قد بدأ يتغير بعد التعاطف الذي أظهرته الدول الغربية مع ثورات الربيع العربي، وإحساس تلك الحكومات بأحقية الشعوب العربية في الأموال المنهوبة.
وفي عام 2013، ودع السويسريون سرية الحسابات المصرفية، بعد أن أصر الاتحاد الأوروبي وأميركا على ضرورة ترتيب الساحة المالية السويسرية، بما يضمن عدم سماحها باستقبال ثروات غير خالصة الضرائب في المنبع، وتبادل تلقائي للمعلومات والبيانات حول ثروات رعايا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في البنوك السويسرية.
الدول المتضررة من سرية الحسابات المصرفية السويسرية استعانت بضغوط واسعة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجموعة الثماني، ومجموعة العشرين والتي وضعت سويسرا ضمن قائمة الدول غير المتعاونة في مكافحة التهرب الضريبي ما كان سيعرضها لعقوبات اقتصادية.
وبموجب الاتفاقيات التي وقعتها سويسرا مع كل من الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، سيتحتم على البنوك السويسرية تزويد السلطات الأجنبية ببيانات المودعين الأثرياء، بل يجب على البنوك السويسرية أن تقوم باستقطاع الضرائب المستحقة على الثروات المودعة في بنوكها وتسليمها إلى السلطات الأميركية وسلطات الدول الأوروبية المعنية.
ويأتي موقف سويسرا الضعيف والحرج، بسبب اعتراف حوالي 150 مصرف سويسري ومؤسسة مالية بارتكاب مخالفات قانونية، والمساهمة في تهريب وإخفاء ودائع الأثرياء في حسابات سرية.