التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:47 ص , بتوقيت القاهرة

9 عيوب في "قانون حماية المنتج المحلي"

تبدو القوانين والقرارات الحكومية الاقتصادية متضاربة ومثيرة للدهشة، فهي ترقص رقصة غير منتظمة مُشيعة بذلك جوًا من الضبابية حول مغزى قراراتها وتوقيتها.


الرئيس أصدر مؤخرا قانونا بدعم المنتج المحلي في العقود الحكومية، القانون يفرض على الشركات المملوكة للدولة وشركات قطاع الأعمال العام، وتلك التي تملك الدولة حق تعيين إدارتها جميعًا، أن تكون تعاقداتها للشراء أو المقاولات إجباريا مع  الشركات التي تقدم تعاقدا تكون نسبة المنتج المصري فيه 40 % أو أكثر.


هذا القانون به من العيوب مالا يُعد ولا يُحصى:


فهو أولاً قانون حمائي، وكأي قانون من هذا النوع فإن أثره يكون دائمًا مزيدًا من تخلف الصناعة الوطنية عن مجاراة نظيرتها الأجنبية لاستنادها لقوة القانون كبديل عن الجودة والسعر.


وهو ثانيًا يفرض ويقنن شراء السلعة بأعلى من سعرها السوقي، فنص القانون لا  يتخلى عن إلزامك بالمنتج ذو النسبة المصرية إلا بشروط، منها أن تكون نسبة زيادة سعر المنتج المصري أكثر من 15% أي أن القانون يجبرك على شراء المنتج المصري ولو كان أغلى، وصولا  لهذه النسبة الهائلة، خصوصا عند الحديث عن عقود مقاولات أومعدات.


كما أنه من المؤكد أن الموردين إزاء إدراكهم أن منتجهم مفضل بقوة القانون ولو كان أغلى بنسبة 15%، فإنهم سيزيدون من هامش ربحهم ليقترب من تلك النسبة.


وهو ثالثًا: يُلزمك كمواطن بدفع الفارق، فقيمة التعاقدات مدفوعة من شركات  حكومية أي من الموازنة العامة، أي من أموال المواطن التي سددها في ضرائب للدولة.


لتتخيل الوضع، تخيل أنك تشتري  مثلا جهاز كمبيوتر لموظف حكومي ونسبة مكوناته المصرية أكثر من 40 % (يكفيك هنا أن تبيعهم شاشة وماوس وكيبورد وكيس  مع تقفيل أي مكون آخر محليا لتحصل على هذه النسبة بسهولة) بسعر إجمالي 2300 جنيه مثلا بدلا من شراء جهاز أفضل ب 2000 جنيه.


رابعًا: أنه وكعادة هذا النوع من القوانين، فهو  يدعم المنتج الرديء، قد يقول قائل إن القانون نص على أن يكون المنتج مطابقاً للمواصفات القياسية المعتادة، وهو ما يعني أن الجودة هي الأساس، ولكن هذا الموضوع ليس عملياً على أرض الواقع، لأنه ببساطة لا توجد أصلا لدينا معايير حقيقية مطبقة في المصانع  بجدية لما يعرف باختبار قبول المصنع (FAT) .
   
كما أن خدمات مابعد البيع هي عموما في أسوأ حالاتها لدى نسبة كبيرة منهم، مما يعني أنك ستعتمد لتحديد جودة المنتج على اختبارات ظاهرية.


لتتخيل الوضع مرة أخرى تخيل أنك  تقارن بين سيارة من الفئة الأولى بأخرى من الفئة الرابعة، وأنك تحكم على جودتهما بمعيار يعتمد على معرفتك الضعيفة بعالم السيارات وهو قدرتهما على الحركة للأمام وللخلف، النتيجة أنك بالطبع لن تعرف مميزات السيارة  الأفضل فكلا السيارتين يتحرك.


هل يبدو هذا الكلام محتويًا على مبالغة؟ مارأيك أن القانون نص بوضوح على إلزام الجهات الساري عليها القانون باستبعاد أي شرط من مواصفاتها الفنية، يمكن اعتباره تمييزا ضد المنتج المصري، أي أنه لو أعطاك المصري (أو شبه المصري ) منتج بدون أي خيارات أو إضافات تكميلية، وأعطاك الأجنبي هذه المميزات، فإنه لا يجب أن تعتبر هذه المميزات شروطاً في المواصفات الفنية أو العقد لكي لا تميز ضد المنتج المصري. إنه بالضبط إجبارك على شراء سيارة رمسيس قديمة ومنعك من طلب أي مميزات تعتبر تمييزا ضدها.


خامسًا: أن القانون يستهدف الجهات الحكومية، إذن فلا بد أن نُقر أن هذه الجهات أصلا عند التعاقد ستميل للتعاقد مع المنتج المصري الأردأ تلقائيا، لأنها مضطرة لذكر السبب الذي لأجله اعتبرت المنتج المصري غير مطابق لمواصفاتها الفنية عندما قامت لرفضه.


والسبب في العادة غير معروف لأنه يقوم على الخبرة والتجربة ومعرفة  العلامات التجارية الجيدة بأكثر مما يقوم على معرفة السبب الفني الذي قد يكون مرتبطا بأمور غير معروفة كأسرار التصنيع، والذي في بعض الأحيان حتى لو كان معروفاً فلا يعرفه موظف المشتريات غير المختص.


وبالتالي فإن هذا الموظف سيخاف من عقوبة تحميله المسؤولية لو قام بتفضيل منتج أجنبي على نظيره، وسيفضل أن يقوم تلقائيا بحصر اختياراته بين مجموعة المنتجات ذات النسبة المصرية، وحتى لو لم يفعل ذلك، فإنه سيقوم بتشكيل لجان متخصصة لدراسة الموضوع تهدر مزيدًا من المال العام، فالقانون أصبح يلزمه بذكر أسباب تفصيلية لرفضه للمنتج المصري.


سادسًا: أن النتيجة دائما أن التكنولوجيا الأحدث والأكثر جودة ستكون أكثر ترددا في دخول السوق مقابل التكنولوجيا الرديئة والقديمة.


سابعًا: أن العمر الافتراضي لهذه المعدات والمنتجات التي تم شراؤها عبر تمويل من الموازنة العامة سيكون أقل من المطلوب، مما يعني زيادة نسبة الهالك، وبالتالي زيادة التحميل مستقبلا على الموازنة التي نسعى جاهدين لخفض عجزها.


ثامنًا: أنه يفتح مجالاً كبيرًا للفساد فنسبة الـ 40% من المنتج المصري سيتم تحديدها واعتمادها من جهات حكومية، والمفترض إذن أنه لتجنب ذلك تكون كل التعاقدات شفافة ومعلنة ومتاحة للمواطنين منعًا للغش والتلاعب.
 
تاسعًا: أن الأكثر بؤسا هنا أن تطبيق هذا القانون بين شركات القطاع العام وبعضها سيبتلع نسبة كبيرة من الأموال بينها لتتوزع على موظفين وعاملين وقطاعات غير منتجة، فنحن نمول المؤسسات الخاسرة  عبر مؤسسات خاسرة.


بالضبط كما نمول المؤسسات الصحفية بمنحها ميزة احتكار طبع الكتب المدرسية الممولة من وزارة التعليم، فتتفق على فرض أسعار أعلى لتغطية جزء من خسائرها عبر موارد من قطاع آخر في الموازنة هو قطاع التعليم الذي يدفعها ضمن دعم التعليم الحكومي ليسلم للطلبة كتبًا لا يدرسها أحد.


يبدو لي من هذه النكتة الواقعية أن هذا القانون يبدو كمحاولة رد فعل على منطق مكافأة الخاسر والفاشل على جهودهما عبر إجبارهما على رفع لوحة (لست خاسرا ولا فاشلا )أثناء حصولهم على المكأفاة وكأنّ هذا قد حل المشكلة.


أو يمكن اعتبار أننا مللنا نظام (اقفوا طابور وإيدك في جيب اللي قدامك)، والذي أنتج شخصًا في أول الطابور يتم تحميله كل الأعباء وشخصًا في آخره مستفيد على الدوام، فأوجدنا حلاً خرافيًا وهو تحويل الطابور إلى دائرة يكون الجميع فيها ناهبين ومنهوبين على الدوام .