التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 12:49 ص , بتوقيت القاهرة

حوار | نظرية "ممتاز" تقضي على خطر الإفلاس

مصنع نسيج بمنطقة العاشر من رمضان بدأ باستثمارات قدرها 4 ملايين جنيه، استمر 3 سنوات يحقق الأرباح ويسدد الضرائب، وكافة الالتزامات، إلى أن أصبح صاحب المصنع سجينا، بعد تحول المصنع للخسائر وتوقفه عن سداد ديونه". كان البحث عن الأسباب الحقيقية للخسارة، الدافع الرئيسي في توصل نائب مدير البنك العربي الإفريقي الدولي - مصر، الدكتور تامر ممتاز، الحاصل على جائزة أفضل اقتصادي في إفريقيا، إلى نظرية حماية الشركات والدولة من التضخم، وفق حواره لـ"دوت مصر".

"النظرية نوقشت أمام أعضاء لجنة المعايير المحاسبية الدولية- إنجلترا، وكان الرد أنها عاجلا أم آجلا ستطبق، وعرضت على العديد من أساتذة الاقتصاد المصريين، وتطبقها 71 شركة الآن"، بهذه الكلمات تحدث الدكتور تامر ممتاز، وإلى تفاصيل الحوار:

كيف جاء التفكير في نظرية حماية الشركات من التضخم؟

من واقع عملي كمصرفي لاحظت إفلاس العديد من الشركات رغم توزيعها الأرباح عن السنة الماضية ودفعها للضريبة المستحقة عليها، وهو ما لم تنذر به القوائم المالية الختامية المعبرة عن نتائج أعمال النشاط، والتي كان لزاما عليها أن تضيء اللون الأحمر إذا كانت سليمة لصاحب المال عن وجود خسارة لاتخاذ ما يلزم نحو ذلك، لكن أثر التضخم يكون مفاجئا لأصحاب المال.

 وهو ما حدث مع أحد أصحاب مصانع النسيج بالعاشر من رمضان، وما يتم فيه تآكل الأموال التي تملكها الشركات عاما بعد عام وترتفع أسعار الخامات ومستلزمات الإنتاج، وعليه لم يعد في مقدرة صاحب المال أن يعيد شراء احتياجاته لإعادة دورة الإنتاج مرة أخرى فما يملكه من مال ينهار مقارنة بارتفاع الأسعار، وهذا ليس في مصر فقط إنما في كل الدول التي تعاني من التضخم وتمثل 102 دولة ترتفع نسبة الأسعار أكثر من 3% وهذا يمثل سعر التضخم لسلة متنوعة من المنتجات، لكن الصناعة لديها أسعار أخرى تتمثل فى سعر ارتفاع الخامات كالتي تقام عليها الصناعة، وارتفاع أسعار الآلات، لذلك فإن قدر هذه الدول الدوران في فلك الخطر لوقوع الإفلاس، لذا كان لزاما أن نجد حلا حتى لا تستمر اقتصاديات كثيرة في دورانها في دوامات إفلاس لا تنتهي .

 فلنشرح النظرية للقراء بشكل مبسط؟

نعطي مثلا: تمتلك شركة مليون جنيه في البنوك والعهد وأرصدة لدى المشترين بالأجل خلال العام، وبافتراض أن متوسط الرصيد خلال العام كان مليون جنيه وارتفعت الخامات 20%، أصبح نتيجة العمل والبيع في النهاية لا يستطيع شراء الخامات مرة أخرى، بذلك فإن هناك خسارة قدرها 20 ألف جنيه لابد من إظهارها كخسارة إلا أنه لا يتم ذلك .

تسير الأمور دون الاحتياط من انهيار قيمة الأموال المحتفظ بصورتها النقدية ودون حساب الخسارة المهدرة التي تبخرت مع مرور الزمن لأن ما يشتريه نفس المبلغ منذ عام لا يمكن يشتريه الآن، ويستمر صاحب المال في توزيع أرباحه على أنها أرباحا حقيقية عن النشاط ولو افترضنا أن الأرباح 500 ألف جنيه يتم توزيعها ككل ومع مرور عدة سنوات لا تجد الشركة مالا للاستمرار والقدر المحتوم يكون الإفلاس.

الحل بدأ بحساب قيمة الخسارة وطرحها من الأرباح، ولأن المعايير المحاسبية تمنع ذلك بدعوى أنها لا تعترف بالمنظور الاقتصادي للتضخم وانهيار قيمة العملة المحلية قمت باختيار البديل الآخر وهو احتجاز مبلغ الخسارة من الأرباح قبل توزيعها .

فإذا كانت الأرباح 500 ألف جنيه يتم احتجاز 200 ألف جنيه وتوزيع الباقي على الشركاء، بذلك تعود دماء الشركة إليها، ومايوزع على المساهمين يكون الربح الحقيقي وإلا كان سيوزع ممتلكات الشركة على الشركاء على أنها أرباح وهذا هو سر الإفلاس غير المنظور.

 

 

هل يمكن اعتراف الحكومة بما توصلت إليه، وإضافته ضمن البنود المحاسبية مع أنه سيخفض حصيلة الضرائب؟

إذا اعترفت الحكومة ستنخفض الضريبة على الأرباح، لكن استمرار الشركات وبعدها عن الإفلاس والتوسع سيفيد الدولة أكثر، لأن الشركات لن تغلق أبوابها نتيجة لخسارة غير منظورة ولن  يسرح العاملون ولن يحدث نقص في المنتجات، بل ستزداد نتيجة بناء مشروعات بالفروق الضريبية التي تساهم في زيادة العرض من السلع والخدمات، ما سيخفض أسعارها في النهاية ويتم معالجة التضخم .

كيف يمكن لهذه النظرية أن تحل مشكلات اقتصادية؟

النظرية تمنع إفلاس الشركات الناتج عن التضخم وتحفظ أصولها من الانهيار، وتستمر المتحصلات الضريبية للدولة الناتجة من استمرار الأنشطة دون إغلاقها، وتمنع تسريح العمالة والتي تشكل عبئا على المجتمع دون دخل وتقلل معدل البطالة، وتمنع ارتفاع الأسعار لعدم خروج الشركات من السوق، بالتالي يزداد المعروض من السلع والخدمات، فتقل الأسعار، وتحمي الدولة من الفشل الاقتصادي .

هل حدث لقاء مع الحكومة لمناقشتها؟

لم يحدث لقاء رسمي مع الحكومة، إنما اتجهت إلى التطبيق العملي مع الشركات حتى يتم حمايتها من تأثير التضخم على الأنشطة الخاصة بها فاستصدار قانون من الدولة سيأخذ وقتا طويلا وقد يتأخر، فالحل هو السعي للتطبيق على أرض الواقع، وهو ما حدث مع نحو 71 شركة حتى الآن، أغلبها شركات مساهمة عائلية وتضامن وتوصية بسيطة.

هل يمكن تنفيذها ضمن المعايير المحاسبية المعتمدة؟

عاجلا أم آجلا ستعمم لأنها كشفت عن سر إفلاس العديد من الأنشطة التي كانت تضلل أصحاب المال وتغلق أبواب شركاتهم دون معرفة السبب، ويتفق معي الاقتصاديون والمحاسبون في طريقة حساب الخسارة الناتجة عن التضخم لأن تأثير التضخم على الأرصده المالية للشركات يتفق عليه الجميع .

هل تمت مناقشتها مع متخصصين ؟

تم مناقشة النظرية أمام كل من مؤتمر التنافسية الإقليمية للمؤسسات العربية جامعة القاهرة في 2012 أمام الدكتور حلمي البشبيشي والدكتور أسامة الأنصاري ومؤتمر العلماء المصريين الأمريكيين في 2012، باللجنة المشكلة من الدكتور مصطفى ماكسي، والدكتور وجيهه تايلور وأقرت، بالإضافة إلى مؤتمر إدارة الأعمال المعاصرة النظرية والتطبيق في 28 ديسمبر 2013، وكانت اللجنة مشكلة من وكيل كلية التجارة للدراسات العليا وأستاذ التمويل الدكتورخيري الجزيري، وأستاذ التمويل بقسم إدارة الأعمال الدكتور يسري خليفة، والدكتور ابتهاج مصطفى، وتم إقرارها ونشرها .

ونوقشت أيضا مع أعضاء لجنة المعايير المحاسبية الدولية- انجلترا، 25، 26 أكتوبر 2012، وكان الرد، عاجلا أم آجلا ستطبق.

 

 


كيف ترى النظام الضريبي والمحاسبي في مصر؟

النظام الضريبي في مصر غير سليم في محاسبة الشركات، ومن يدفع الضريبة هم أصحاب المرتبات ويتم الخصم من المنبع، والكثير من مكاتب المحاسبة تعد للشركات 3 ميزانيات، الأولى ميزانية خاسرة تقدم للضرائب، والثانية ميزانية رابحة تقدم للبنوك، والثالثة ميزانية سليمة تقدم لصاحب المال، وللأسف كل جهة تقبل ما يقدم إليها العميل دون التأكد من الجهة الأخرى، لذلك لا تناسب بين  الضرائب المحصلة مع الدخل القومي وهذا السبب معروف، وللأسف إلى اليوم لم يتخذ أي إجراء لعلاجه مع أن الحل بسيط جدا وهو ختم الميزانية المقدمة للبنك بختم مصلحة الضرائب للتأكد من تطابقها وعليه فلا يكون هناك تهرب ضريبي.

والنظام المحاسبي المصري يخضع للمعايير المحاسبية الدولية التي تقضي بمعايير لا يمكن التعديل فيها، وحتى لو كانت ظروف الدولة لا تتشابه مع الدول الأخرى فمن المنطق أن يكون هناك معيار للتضخم يعمل بما يتناسب مع اقتصاديات الدول التي تعاني من ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية.

ما الوضع الحالي لقوانين الاستثمار، وكيف تجذب مصر استثمارات جديدة؟

كل القوانين التي تنظم الاستثمار تمت دراستها ومناقشتها من المختصين دون النظر إلى الشيء المهم وهو الموظف القائم بالتنفيذ ودراسة البيروقراطية التي يصل بها المستثمر إلى حد الاختناق من الإجراءات غير المفهومة والقوانين المتداخلة واحتياجه دائما لمحامي ماهر للتغلب على التعقيدات التي لم يرها فى دول أخرى تحمل نفس ظروفنا، فالواقع العملي أثبت أن ما يجذب المستثمر ليس كثرة القوانين أو انخفاض الضرائب أو انخفاض الأجور للعاملين، إنما سرعة تطبيق القوانين وحيادية الموظف المنفذ للقانون دون تعقيد الأمور.

والأمان هو الأساس في جذب الاستثمارات والاستقرار الاقتصادي، وتوقعات المستثمر أنه قادر على الرجوع بأمواله مرة أخرى إلى بلاده دون خوف يمنع من دخوله السوق المصري.

متى يفكر الاقتصاديون خارج الصندوق؟

للأسف حتى الآن مع وجود أفكار كثيرة قابلة للتطبيق إلا أن الواقع العملي أثبت أنه لا مجال لاستغلال الأفكار التي تقدم، ويرجع ذلك إلى انشغال الحكومة في القضايا الأساسية للدولة وعدم الاقتناع بأي بديل آخر، ولا شك أن الإبقاء على المسكنات لا تجني الدولة منه أي جديد ، فالاستخدامات في الموازنة متشعبة ومتزايدة ومازالت الموارد محدودة، والمطلوب أن توجد هيئة يعلن عنها لاستلام الأفكار والمقترحات من المواطنين وبحث إمكانية تطبيقها ويمكن للمواطن أن يطلع على سير فكرته وأين هي وعلى أي مكتب وهل يتم دراستها أم لا، أم أنها غير مناسبة.

كيف ترى القطاع المصرفي في مصر، وقدرته على تمويل المشروعات الجديدة؟

القطاع المصرفي مستقر، ولعل السنوات السابقة وقدرة البنك المركزي على استيعاب كل الاختلالات منذ الثورة حتى اليوم هو شهادة بحكمة القيادة ووجود الإرادة نحو العمل دون الحديث عنه، فالإجراءات التي تم اتخاذها للتعامل مع الأزمات السابقة كانت حكيمة إلى الدرجة التي ضمنت الاستقرار دون التسرع أو التخبط الذي يظهر الدولة بصورة غير محمودة .

والمطلوب تعديل بعض الإجراءات الخاصة بسحب الدولار من الحسابات والتي فرضت بمبلغ 10000 دولار للحساب الفردي و30000 دولار لحسابات الشركات وما يعادلهم بالعملات الأخرى، لأن هذا القرار كان مناسبا إبان الأزمات واستمراره حتى الآن والإبقاء عليه يترك أثرا لدى المستثمر هناك.

في النهاية ما تقييمك للوضع الاقتصادي المصري حاليا؟

الوضع الاقتصادي مبشر بالخير، فالجهود التي تقوم بها الحكومة لإصلاح الوضع الاقتصادي موفقة وتبشر بمستقبل أفضل، والمهم الآن التركيز على الوضع الأمني والأولوية لأمن السائح و أمن المستثمر .

فالوضع الاقتصادي مرهون بالوضع السياسي ومدى قدرة الدولة على السيطرة على الأمور، وتبني خطة طويلة الأجل من أجل شد قاطرة الاستثمار في الوطن ككل، ولعل زيارات السيد الرئيس إلى دول تهتم بالاستثمار المباشر في مصر، وعقد اتفاقيات شراكة متبادلة سيكون له أفضل الأثر في جذب المستثمرين وتضمن تدفق النقد الأجنبي من الخارج .