لماذا تفشل التعدادات العامة فى مصر رغم تكلفتها ملايين الجنيهات؟
تقوم مصر بشكل منتظم بتنفيذ تعدادات مختلفة كل عام أو عدة أعوام حسب نوع التعداد والأهداف التى يسعى إلى تحقيقها، ورغم أهمية هذه العدادات إلا أنها غالبا لا تحقق أهدافها بشكل يكاد يكون كامل، ودائما ما تكون نتائج التعدادات التى يعلن عنها جهاز التعبئة العامة والإحصاء نتائج غير حقيقية لا تعبر عن الواقع في شيء، ولا يمكن التعويل عليها والبناء عليها، ولو تم ذلك تكون دائما النتائج مخيبة للآمال، لأنها ببساطة بنيت على معلومات وبيانات مضللة أو غير صحيحة.
وعندما نقول إن البيانات مضللة أو غير صحيحة، لا نقصد الإساءة لأحد بعينة، وإنما نؤكد حقيقة يراها الجميع أمام عينية كل يوم، كما أن مسئولية عدم دقة البيانات التى يتم تسجيلها في التعداد، لها أطراف عدة، وأهم طرفين فيها هما، أولا، مصدر البيانات أي المواطن، ثانيا، مدون البيانات أو موظف التعداد الذى يقوم بجمع البيانات من المواطنين وتسجيلها وتصنيفها.
والطرف الأول وهو المواطن، لديه صورة ذهنية عن جامعى البيانات في مصر تقول إن الحكومة تسعى مثلا لإلغاء الدعم عن بعض الفئات ولذلك تجمع بيانات عنهم، أو أنها تريد فرض ضرائب على فئات أخرى ولذلك تريد تحديدهم، وأشياء كثيرة من هذا القبيل، ولذلك فإن المواطن الخائف من نتائج هذا التعداد أمامه أمرين، لا ثالث لهما، إما أن يعطي موظف التعداد بيانات خاطئة أو مضللة أو غير حقيقية تماما، وإما أن يمتنع عن التعامل أصلا مع موظفي التعداد وغالبا ما يتم الاعتداء على هذا الموظف أو يتم طرده من المنطقة أو الحي بأكمله، كما يقوم المواطن بالتنبيه على أقاربة وجيرانه بعدم التعامل مع هؤلاء الموظفين الذين سيحرمونهم من حقوقهم بهذا التعداد.
والطرف الثانى، موظف التعداد، دائما ما يتم اختيارهم بدون معايير واضحة ولا يتم تدريبهم على كيفية إجراء التعداد وكيفية التعامل مع الجمهور، وكيفية طمأنتهم عن أن نتائج التعداد تهدف لتوفير بيانات صحيحة عن الاحتياجات الرئيسية للمواطن وليس حرمانه منها، وأنه لا يجوز لأي جهة الاطلاع على بيانات التعداد التى أدلى بها المواطن وأنها سرية ولا يجوز الاطلاع عليها لغير موظفي التعداد، وأن نتائج التعداد هى نتائج إجمالية وليست فردية ولا يمكن استغلالها لفرض أى رسوم أو ضرائب على صاحب البيانات طبقا للقانون.
كما أن موظفي التعداد أنفسهم يمكن أن يكونوا مصدرا للشائعات الخاصة بالتعداد، إذا لم يكونوا على القدر الكافى من العلم بهدف التعداد، وإذا لم يكن لديهم القدرة على الإجابة على أسئلة بعض المواطنين عند أخذ البيانات منهم، خصوصا وأنهم غالبا ما يتم اختيارهم بشكل عشوائي أو أن الجهاز يستعين بأي شاب يتقدم للمشاركة فى التعداد، خاصة أن مهمته مؤقتة لعدة شهور فقط وتتم مقابل مبلغ محدود من المال.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن نتائج التعدادات دائما يقتصر دورها على النشر في بعض الإصدارات الإخبارية، أما الحكومة ووزاراتها فلا تستفيد منه في شيء، ولا حتى تتطلع عليه، ولم نر سابقا أي حكومة قامت بأي إجراء بناء على نتائج التعداد العام سواء سنويا أو أكثر من سنوى، ويقتصر دور الجهاز بعد انتهاء التعداد على إرسالة إلى الوزارات والحكومة ليضعه الجميع على الأرفف وتتعامل معه كما أشرنا سابقا.
هذه هي أهم الأسباب الرئيسية لفشل معظم التعدادات السابقة وعدم الاستفادة بها رغم حرص الحكومة على تنفيذها في موعدها ورغم أهميتها المفقودة أيضا وإنفاق ملايين الجنيهات على تنفيذها، ولن نتوسع في سرد عشرات الأسباب الأخرى لفشل التعدادات المصرية وسنكتفى بالتركيز على هذه الأسباب فقط .
وأنا هنا لا أريد وقف التعدادات بسبب فشلها، ولكن أريد أن تكون جدية وهادفة وتستطيع تحقيق أهدافها ويستفيد منها المواطن الممول الحقيقي لتكلفتها العالية، وهذا كله لن يتحقق إلا بعد أن يتم الإعداد لها جيدا من جميع الجهات سواء الحكومية أو المواطنين، وهذا أيضا يتطلب الإعلان الجيد عنها وتوعية المواطنين بها وبأهدافها وأنه لا سبيل للإضرار بهم بسبب نتائجها، كما أنه يجب على كل الجهات الحكومية التنسيق فيما بينها للتعامل مع نتائج هذه التعدادات والعمل على تحقيق أهدافها لصالح الدولة والمواطن.