التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:41 ص , بتوقيت القاهرة

"الأموال الساخنة" سبب خروج 5 مليارات دولار من مصر بعد رفع الفائدة بالأرجنتين

وزير المالية عمرو الجارحى
وزير المالية عمرو الجارحى

قام البنك المركزى الأرجنتينى يوم الجمعة الماضية برفع أسعار الفائدة إلى 40% على العملة المحلية، وهى أعلى فائدة فى تاريخ الأرجنتين، إن لم تكن فى العالم كله حاليا، بهدف حماية العملة المحلية البيزو من الانهيار أمام الدولار الأمريكى، ومواجهة موجة التضخم الحالية في البلاد.

وهنا، يتبادر لدى الجميع سؤال، وهو ما علاقة مصر واقتصادها برفع الفائدة فى البنك المركزى الأرجنتينى الذى يبعد عنا آلاف الكيلو مترات، ولا تربطنا بالأرجنتين علاقات اقتصادية قوية للدرجة التى تجعلنا نتأثر برفع الفائدة بها سريعا؟.

هذا السؤال كان يمكن أن يكون فى محله في فترات سابقة عندما كانت مصر لا تتوسع فى الاستثمار فى أدوات الدين الحكومية بالعملة الأجنبية، أو حتى السماح للأجانب بالتوسع في الاستثمار في أدوات الدين الحكومية بالسوق المحلي، ولذلك كانت بعيدة عن التأثر المباشر بأى تغيير في أسواق المال العالمية، حتى لو كانت تربطنا بهذه الأسواق علاقات اقتصادية وتجارية مباشرة، فضلا عن بلد لا تربطنا به علاقات على المستوى الذى يجعلنا نتأثر بتغيرات سعر عملتها المحلية.

أما الآن، فالوضع قد تغير، وتوسعت مصر فى طرح السندات الحكومية فى الأسواق العالمية بشكل غير مسبوق، حيث وصلت الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية المصرية لنحو 23 مليار دولار حتى الشهر الماضى، ولم يقتصر على السوق الأمريكى فقط بل امتد للسوق الأوروبى أيضا (وبالمناسبة هذه التوسع والتنوع من جوانب عديدة يعتبر ميزة اقتصادية وليس عيبا لأن ذلك يزيد مصادر الدخل الحكومى من العملة الصعبة ويبعث رسائل جيدة عن استقرار الاقتصاد المصرى، كما أنه دليل اندماج الاقتصاد المصرى في الاقتصاد العالمى ودليل جاذبية الاستثمار فى السوق المصرى) لكن لهذا التوسع والتنوع وجها آخر يمكن وصفه بالخطير.

هذا الوجه الخطير، يتمثل فى أن هذه الاستثمارات الأجنبية جزء كبير منها هو عبارة عن "أموال ساخنة"، وهذه الأموال الساخنة تسعى وراء الربح السريع والكبير أينما وجد، خصوصا ما يتعلق بأذون الخزانة ذات الآجال القصيرة، حيث تذهب هذه الأموال لشراء أى سندات أو أذون خزانة معروضة فى السوق العالمى بفائدة أكبر بهدف تحقيق ربح سريع، وهو ما حدث بالنسبة لمصر خلال الأيام الماضية، حيث خرج عدد كبير من المستثمرين الأجانب من سوق الدين الحكومي لشراء سندات في الأرجنتين بعد رفع الفائدة إلى 40% هناك للاستفادة من فارق السعر الكبير وتحقيق ربح، وهو ما أدى لخروج نحو 5 مليارات دولار من مصر، حسب تقديرات صناديق الاستثمار بالسوق، مما سبب ضغطا محدودا على سعر الدولار فى البنوك.

لكن، هل هذا أمر خطير؟ هذا أيضا له عدة أوجه، فهو من جانب يدل على ديناميكية السوق المصرى وحيويته وقدرته على دخول وخروج الاستثمارات بسهولة، وهو ما يرسل رسائل إيجابية عن السوق، ومن جانب آخر يمكن أن يهدد استقرار السوق النقدى إذا تمت هذه العملية (الخروج) بشكل كبير يتخطى مثلا 10 مليارات دولار وهو ما يمكن أن يؤثر على سعر الصرف ويحدث بلبلة في السوق.

 وهذا أيضا يمكن التغلب عليه بأمرين، إما توفير العملة الصعبة بشكل كبير في السوق بحيث يتم تغطية أية عمليات خروج فورية، وإما وضع حد معين للاستثمارات الخارجية في أدوات الدين المحلي، بحيث تتوقف الحكومة عن طرح سندات أو أذون خزانة بالعملات الأجنبية عند الوصول لحد معين، ويكون عليها الحصول على موافقة مثلا من البرلمان لزيادة هذا الحد إذا أرادت، على غرار ما يحدث في أمريكا مثلا، وبالنسبة للاستثمارات الأجنبية بالعملة المحلية يجب مثلا وضع حد معين لإجمالى الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية فى السوق المحلى ولا يمكن تجاوزها، ويتم الاعتماد فقط على المؤسسات المصرية فى تمويلها مثل البنوك المحلية بحيث يكون استردادها بالجنيه المصرى بشكل كامل ولا يمثل ضغطا على سعر صرف الجنيه فى السوق.