الحرب على سوريا صراع نفوذ للسيطرة على المصالح الاقتصادية
تصاعد التهديد الأمريكى بضرب سوريا بشكل كبير فى الساعات الأخيرة، على خلفية اتهامات مزعومة من قبل الولايات المتحدة بقيام الجيش الوطنى السورى باستخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين المعارضين، رغم عدم وجود أدلة على ذلك، ونفى سوريا القاطع له.
ورغم دعم روسيا القوى لحكومة سوريا الشرعية، وإعلانها الواضح رفض أى ضربة أمريكية لسوريا، وتأكيدها أن أى عملية ستقوم بها أمريكا فى روسيا هو بمثابة جريمة حرب، لأنه استهداف لدولة ذات سيادة، وحكومة منتخبة وشرعية، بصواريخ ذكية، إلا أنه من المستبعد أن تقوم روسيا بأى عمل ضد أمريكا، إلا إذا تعرضت مصالحها المباشرة فى سوريا للخطر، بمعنى أن تُضرب القاعدة الروسية هناك أو يتعرض جنودها لهجوم، وهاتان الحالتين مستبعدتان كليا من جانب أمريكا، فهى لا تريد دخول حرب مباشرة مع روسيا، ولكن تريد إثبات وجودها فى سوريا وضرب بشار، والضغط على روسيا فقط.
وأرى أن هذا الصراع، ما هو إلا صراع نفوذ فى سوريا، بين روسيا من جانب وأمريكا وأوروبا الداعمة لها من جانب آخر، حيث يرغب الجميع في استغلال الحالة المزرية لسوريا، وتقسيمها فيما بينهم، خصوصا ما يتعلق بحقول الغاز فى شمال وغرب سوريا، بعدما حقق النظام السورى نجاحات كبيرة في محاربة الجماعات الإرهابية هناك وحسم العديد من المعارك لصالحة واقتربت سوريا من التطهير بشكل كامل.
والمتابع للشأن السورى، يعلم يقينا أن أمريكا لا تلجأ عادة للتهديد باستهداف سوريا مباشرة، إلا فى حالة عجزها هناك، أو عجز من يعملون لصالحها، أمام الانتصارات الكبيرة التى يحققها الجيش السورى، فقبل ذلك هددت بضرب سوريا أكثر من مرة مستخدمة نفس الحجة وهى استخدام السلاح الكيماوى، رغم أنه لم يثبت في أى مرة أن الجيش السورى هو من استخدم هذا السلاح، ويجزم متابعون أن من يستخدم السلاح الكيماوى فى سوريا هم الجماعات الإرهابية بضوء أخضر من أمريكا نفسها، عندما يزداد الضغط عليهم، ولا ينسى أحد الطائرات الأمريكية التى حطت فى حلب لانقاذ قادة الجماعات الإرهابية عندما حاصرها الجيش السورى.
ورغم معارضة مصر بشكل كامل لأى عملية عسكرية ضد سوريا، واعتبارها ذلك تهديدا للأمن القومى المصرى والعربى، وهو كذلك، وقيام مصر برعاية عدد من جهود وقف التوتر والحرب فى عدد من المدن السورية، ونجحت في ذلك، لاعتبارات قومية عربية تقتضى الحفاظ على الجيش الوطنى السورى قويا متماسكا ليحافظ على وحدة سوريا، إلا أن هناك دولا عربية أخرى تؤيد شن عمليات عسكرية ضد سوريا، بل وتساعد عدد من الجماعات الإرهابية العاملة ضد الحكومة هناك بالمال والسلاح، ظنا منهم أن هذا فى سبيل مواجهة النفوذ الإيراني الذي يدعم بشار، بصرف النظر عن تأثير ذلك على وحدة سوريا وبقائها، وهو خطأ كبير، ستدفع هذه الدول الداعمة للإرهاب وضرب سوريا ثمنا غاليا مقابله قريبا جدا، عندما يكونوا هدفا لنفس المبررات والحجج الأمريكية فى وقت ليس ببعيد.
وأى قارئ مبتدئ لتاريخ المنطقة والعالم، سيعلم بسهولة وبدون عناء في التفكير أن تاريخ المنطقة يعيد نفسه، بنفس السيناريو، بل بنفس التصريحات والإجراءات والخطط والمبررات والحجج، ولم يتغير إلا الأشخاص، فمن منا نسى مشهد تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا وهو يقف أمام مجلس العموم البريطانى لساعات ليبرر بكل الوسائل ضرورة ضرب العراق، مستخدما نفس المبررات من امتلاكة السلاح الكيماوى وأسلحة الدمار الشامل حسب تقارير استخباراتية بريطانية وأمريكية، وثبت كذبها جميعها، وتأكد للجميع أن هذه الحروب كانت بهدف وحيد هو فرض النفوذ والسيطرة على مصادر الطاقة وإبقاء دول منطقة الشرق الأوسط الغنية كسوق لمنتجات المصانع الأمريكية والأوروبية فقط وعدم السماح لها بالاعتراض أو إصلاح أحوال شعوبها إلا بالقدر الذي تسمح به رغم استعمال شعارات الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، لكن هذه الشعارات هى وسيلة فقط للضغط على الحكومات المارقة وخلق الفتن والاختلافات بين فئات الشعب الواحد ليظل دائما متفرقا متنازعا.