أطفال غزة.. مستهدفون في 3 حروب
غزة- أ ش أ:
شهد أطفال غزة ثلاثة حروب في أقل من 6 سنوات، وأضحوا فريسة للخوف الشديد وأعراض الصدمات النفسية والعصبية، وباتت أحلامهم تصارع واقعا مريرا، فلم تعد للفرحة مكان عندهم في ظل بشاعة مناظر القتل والدم والدمار والخراب الذي طال كل شيء في القطاع الساحلي المنكوب.
يعلق رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومقره جنيف، رامي عبده على استهداف الأطفال قائلا إن "السلطة الاسرائيلية اتبعت استراتيجية (كي الوعي) خلال الحرب الأخيرة، وسعت بعد فشلها في الوصول لقادة المقاومة لإيلامهم بشكل غير مباشر عبر استهداف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ بحيث يبقى في وعيهم أنهم سيدفعون ثمن أي تصعيد أو حرب وأن المقاومة مسؤولة عن الخراب والدمار الذي يحل بهم".
ويؤكد عبده الذي يقطن في مدينة غزة: "المستهدف الرئيسي من هذه الحرب هم الأطفال والنساء، لذا أطلق كثير من الفلسطينيين على سبيل الفكاهة الممزوجة بالألم مقولة (إذا أردت أن تعيش بأمان، ابتعد عن الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال)".
وشنت إسرائيل في السابع من يوليو الماضي حربا على قطاع غزة أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد"، تسببت حتى نهاية يوم 12 أغسطس الجاري في مقتل 1951 فلسطينيا من بينهم 469 طفلا وإصابة 10193 آخرين من بينهم 3084 طفلا بحسب إحصاءات وزارة الصحة في غزة.
وتصاعدت في الآونة الاخيرة موجة من التحريض والتصريحات الفاشية بين مختلف الأوساط الاسرائيلية تدعو الى قتل الفلسطينيين ونسائهم وأطفالهم وتدمير منازلهم بلا رحمة وكان أبرزها دعوة عضو الكنيست "ايلت شاكيد" عن حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف إلى "قتل النساء الفلسطينيات لوقف توالد الفلسطينيين ومنعهم من التكاثر".
كما نظم المئات من نشطاء اليمين المتطرف مظاهرة في ساحة رابين بتل أبيب نهاية يوليو احتفلوا خلالها بقتل الأطفال الفلسطينيين.. وأظهرت مقاطع فيديو ترديدهم هتافات عنصرية خلال المظاهرة منها "غدا لا توجد مدرسة.. لم يبق أطفال في غزة".. "أنا أكره كل العرب"و"غزة هي مقبرة".
وطالت تهديداتهم الأعضاء العرب في الكنيست مثل أحمد الطيبي وحنين زعبي اللذين اتخذا مواقف منددة قوية ضد استهداف الأطفال والمدنيين في غزة، ومنها "أحمد الطيبي، أريدك أن تعرف، الطفل القادم الذي سيصاب هو طفلك"، "أنا أكره طيبي الإرهابي"، "هذه هي الدولة اليهودية، أنا أكرهك حنين زعبي".
ويقول الحقوقي الفلسطيني رامي عبده: "استهداف الأطفال لم ينجم عن إهمال أو استهتار وإنما هو استهداف ممنهج ومتعمد بدليل حادث أطفال عائلة بكر على شاطئ بحر غزة".
ويضيف عبده: "لا يوجد مكان آمن هنا في غزة، كل شيء مستباح وتحديدا في الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال وتم توثيق حالات كثيرة ومنها استهداف 6 مدارس تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" تأوى نازحين من بيوتهم المدمرة أو هربا من القصف وغالبيتهم من النساء والأطفال".
وذكر أن جيش الاحتلال قصف بدم بارد منازل نحو 60 عائلة على رؤوس ساكنيها، ما أدى إلى استشهاد نحو 300 فلسطيني على الأقل وبالطبع نسبة كبيرة من المتواجدين في هذه المنازل هم من الأطفال.
ويحتاج أطفال غزة بعد الحرب إلى برامج تعليمية ونفسية وترفيهية مكثفة للعلاج النفسي وإزالة ما اختزنته عقولهم من صور مؤلمة ومشاهد قتل ودمار وفقا لخبراء الطب النفسي.
ويقول استاذ علم النفس بجامعة بيرزيت بالضفة الغربية الدكتور خضر رصرص، إن أطفال غزة يعانون من مشاكل جسدية ونفسية قاسية جراء الحرب التي ستلقي بآثارها السلبية على حياتهم وحتى نظرتهم للمستقبل.
وتساءل: "ماذا ننتظر من طفل يرى والدته أو والده أو شقيقه يموت تحت الركام؟ وآخر يرى الصاروخ يقصف بيته أو المسجد القريب منه؟ وثالث يسأل أين أصحابي من أطفال الجيران والأقارب فيأتيه الجواب إنهم "عند ربنا" في عداد الشهداء؟".
ويؤكد رصرص وهو أيضا المدير التنفيذي لـ"مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب" أن الاحتلال يستهدف الطفل الفلسطيني لأنه الأغلى ويمثل المستقبل خصوصا أن المجتمع الفلسطيني مجتمع فتي من الدرجة الأولى .
وتشير تقديرات مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2014 إلى أن الأطفال يشكلون حوالي نصف المجتمع الفلسطيني وأن عدد الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بلغ 2.08 مليون طفل أي ما نسبته 47.1% من مجموع السكان الفلسطينيين بينهم 50.6% في قطاع غزة وحده.
ويضيف رصرص: "الظروف التي يعيشها الطفل مثله مثل باقي الفئات في قطاع غزة غير طبيعية، هناك معدل عال من الإحساس بالخطر وانعدام الأمن، وأصبح الهم الأساسي للمواطن هو كيف يحمى نفسه من الأخطار مع تكرار العدوان الإسرائيلي".
وحول سبل التأهيل النفسي لأطفال غزة، يؤكد الخبير النفسي أن دور الأسرة حاسم ومركزي في توفير الحماية النفسية للأطفال والعنصر الفاعل في هذا الشأن هو عدم التأخير في تقديم العلاج اللازم للطفل ومن المستحسن الاستفادة من برامج التدخل وقت الأزمات.
وأضاف رصرص: "وجود أسرة فاهمة داعمة ومتزنة يمنع تطور الأعراض النفسية لدى الطفل إلى مرض نفسي لأن الوالدين بمثابة مرآته ونافذته على العالم".
وأردف: "الوالدان بشر في النهاية لكن المطلوب منهما ممارسة نوع من ضبط النفس وإخفاء جزء من مشاعر الارتباك والخوف وما يمكن اخفاؤه في مثل ظروف الحرب والقصف وتدمير المنازل خصوصا أمام الأطفال".
وكشف بحث ميداني أجراه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على عينة من 340 طفلا من سكان القطاع أن 96% منهم يعانون ما يعرف بـ"اضطرابات النوم لدى الاطفال"، كما يعاني 87% من الأطفال الذين شملتهم العينة من "إصابات بالصدمة أو الذهول"، ولوحظ على 89% منهم وجود "تغيرات في الشهية".
في السياق ذاته، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" من مستقبل قاتم للغاية ينتظر 400 ألف طفل أصيبوا بصدمات نفسية جراء الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقالت رئيسة المكتب الميداني لليونسيف في قطاع غزة، بيرنيل إيرنسايد، في مؤتمر صحفي عقدته بجنيف قبل أيام إن إعادة بناء حياة الأطفال ستكون جزءا من جهد أكبر بكثير لإعادة بناء القطاع بمجرد أن يتوقف القتال بصفة دائمة.
وتساءلت إيرنسايد: "كيف نتوقع أن يهتم الآباء ومن يرعى الأطفال بأبنائهم وأن يقوموا بتربيتهم بطريقة إيجابية وتنشئتهم عندما يكونون هم أنفسهم غير قادرين على الحياة كبشر؟ هناك أناس فقدوا كل أفراد العائلة في ضربة واحدة، فكيف يمكن لمجتمع أن يتعامل مع هذا؟
وأوضحت أن عدد الأطفال يشكل نحو 31 في المائة من العدد الإجمالي للشهداء الفلسطينيين جراء العدوان، وأن أكثر من 70 في المائة منهم تقل أعمارهم عن 12 عاما.
وقالت المسؤولة الأممية: "إنه شيء غير عادي أن تعيش في هذه الأوضاع وأن تبقى على قيد الحياة، وأن تشهد استخدام أسلحة مدمرة بطريقة غير معقولة تقوم بتقطيع أوصال الناس بعمليات بتر وتشويه مروعة وتمزق الناس إربا أمام عيون الأطفال وأمام الوالدين أيضا".
ووفقا لليونسيف، فإن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في عامي 2008 و2009 أسفرت عن مقتل 350 طفلا، في حين أودت الحرب التى تلتها في نوفمبر 2012 بأرواح 35 طفلا.
وشنت إسرائيل خلال الاعوام الأخيرة حربين واسعتين على قطاع غزة الأولى أطلقت عليها عملية "الرصاص المصبوب" (27 ديسمبر2008-17 يناير 2009) وأدت الى استشهاد نحو 1400 فلسطيني وإصابة حوالي 5 آلاف آخرين، والثانية أطلقت عليها "عامود السحاب" واستمرت 8 أيام (14-21 نوفمبر 2012)، وأدت الى استشهاد نحو 160 فلسطينيا وإصابة المئات.