بثورة دينية وتعديل المناهج.. السيسي حارب التطرف والإرهاب
في الوقت الذي شهد فيه عدد من دول الربيع العربي، مواجهات مصيرية أمام إرهاب وتطرف الجماعات المسلحة، كانت مصر على رأس الدول العربية التي تحملت عبء هذه المسؤولية التاريخية، خاصة بعد إزاحة حكم جماعة الإخوان، الأمر الذي دخلت معه البلاد في موجة عنف مماثلة كالتي حدثت في بعض دول الربيع، في ظل الإجراءات التي اتخذتها الجماعة خلال مواجهتها مع الدولة.
ووضعت الدولة المصرية على رأس أجندتها بعد إزاحة حكم جماعة الإخوان، مواجهة العنف والتطرف في ظل موجة الغضب التي انتابت أنصار الإخوان، وكان أول خطاب للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال منصبه وزيرا للدفاع، هو التصدي للعنف المحتمل من أنصار الرئيس الأسبق، محمد مرسي، وألقى السيسي وقتها الكرة في ملعب الشعب المصري لمواجهة هذا العنف، الأمر الذي استجابوا معه لتفويضه في إدارة هذا الملف، وكان بدايته من فض اعتصامي ميداني رابعة العدولة والنهضة.
ثورة دينية
وبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال أول خطاب موجه للقيادات الدينية الممثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، بعد وصوله لمنصب الرئاسة، بوضع منهج واضح ومحدد لإدارة الدولة وتأكيد إرادتها في مواجهة العنف والتطرف.
وحمل الرئيس السيسي، في كلمته خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بداية عام 2015، الأزهر إماما ودعاة بالقيام بـ"ثورة دينية"، كما حملهم مسؤولية تجديد الخطاب الديني والدعوة بالحسنى وتصحيح الأفكار والمفاهيم التي ليست من ثوابت الدين، مطالبا بثورة أخلاقية جادة تنطبق فيها السلوكيات مع المعتقدات لتصحيح المفاهيم الخاطئة.
وقال موجها خطابه للدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إنه والدعاة مسؤولون أمام الله عن تجديد الخطاب الديني وتصحيح صورة الإسلام، وأضاف مخاطبا علماء الأزهر والأوقاف: والله لأحاججكم يوم القيامة، فقد أخليت ذمتي أمام الله، لأنه لا يمكن أن يكون هناك دين يتصادم مع الدنيا كلها، فالمشكلة ليست في الدين، ولكن في الفكر، وهذا يتطلب دورا كبيرا من علماء الأزهر والأوقاف.
وطالب الرئيس الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء بسرعة الانتهاء من عناصر الخطاب الديني، الذى يصحح المفاهيم، وأن يكون هذا التجديد واعيا ويحفظ قيم الإسلام ويقضى على الاستقطاب الطائفى والمذهبي ويعالج التطرف والتشدد، موضحا أننا في حاجة لثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون هذا الخطاب متناغما مع عصره، ولابد أن نتوقف أمام الحالة الموجودة حاليا، وضرورة تصحيح هذا الفكر، فالمشكلة ليست في الدين ولكن في هذا الفكر .
وأكد السيسي "أن سمعة المسلمين تأثرت بما يحدث من عنف وأنه لا يمكن لمليار وربع المليار مسلم التغلب على 6 مليارات، بل يجب أن نراجع مفاهيمنا نحن، وطالب بالتخلق بأخلاق الرسول وإعمال سنته والتعايش مع الآخر".
وبالتناغم مع الخطوط العريضة التي وضعتها الدولة ممثلة في الرئيس السيسي للأزهر، كان هناك دور آخر على مستوى مؤسسات الدولة بدء من التعليم وحتى الجهود البلوماسية في تصحيح الأفكار المغلوطة عن مصر في الخارج.
تحديث مناهج التعليم
وبدأت الدولة من التعليم حيث حذفت التربية والتعليم، كل المناهج التي يستغلها الجماعات المتطرفة في بث أفكار العنف للتلاميذ وطلبة الجامعات، كما اتخذت الجامعات وعلى رأسها جامعة القاهرة عدة قرارات منها إغلاق كل المساجد والزوايا في الكليات التي يستغلها طلاب الجماعات المتطرفة في استقطاب الطلاب، وافتتاح مسجد جامع كبير يلتقي في الطلاب جميعا تحت راية واحدة هي الوسطية ومراقبة كل نشاطات طلاب الجامعات وفصل أي طالب يتورط في أعمال عنف أو يدعو للتطرف أو يروج لأفكار ضد الدولة.
الأمر نفسه، قامت به مؤسسة الأزهر في جامعاتها، انطلاقا من دور المؤسسة الدينية العريقة في محاربة الأفكار المتطرفة والتصدي لمحاولات استقطاب الطلاب عن طريق استغلال حماستهم لنشر العنف بينهم، ووأد تظاهرات طلاب جماعة الإخوان التي كانت تحرض على مواجهة الدولة وتعطيل الدراسة، ونجح الأزهر مثلما نجحت باقي الجامعات المصرية الحكومية في إجهاض هذه التحركات ووقفها مبكرا.
وأكدت قيادات الأزهر أهمية المواجهة الفكرية للجماعات المتطرفة إلى جانب المواجهة الأمنية، مع توضيح أن المساجد وحدها ليست كافية فكثير من الشباب المغرر به لايذهب إلى المساجد أصلا، وحتى التليفزيون والوسائل الإعلامية التقليدية ليست كافية، بل لابد من استخدام نفس الوسائل الحديثة التى تستخدمها الجماعات المتطرفة لاجتذاب الشباب، وخاصة أن هذه الجماعات لديها جيوش تعمل على المواقع الإلكترونية لمعرفتهم باهتمامات الشباب والمواقع التى يدخلون عليها.
كما تم استحداث مادة للثقافة الاسلامية تدريسها فى المرحلتين الإعدادية والثانوية والجامعية تعمق الانتماء الوطني وتعالج القضايا المعاصرة المتعلقة بالتطرف والإرهاب وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروج لها الجماعات المتطرفة ، ويسعى الأزهر لإقرارها في التعليم العام وكافة الجامعات المصرية.
وفي هذا السياق، أطلق الأزهر عدة مبادرات من أبرزها إنشاء مركز حوار الأديان في شهر فبراير من العام الماضي 2015 بهدف نشر ثقافة الحوار بين الأديان والحضارات المختلفة والعمل على تعزيز مفاهيم قبول الآخر والتعايش المشترك بين الشعوب، إضافة إلى لقاءات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ومفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام مع ممثلي المؤسسات والسفارات العربية والغربية بالقاهرة وكذلك الجولات الخارجية لكليهما من أجل إظهار سماحة الإسلام ولمعالجة ظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا).
مرصد الفتاوى التكفيرية
وفي إطار مكافحة الفكر المتطرف أيضا، أنشأت دار الإفتاء المصرية (مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة) للرد على فتاوى الجماعات المتطرفة التي تشوه صورة الإسلام وسماحته.
كما تم تنظيم العديد من الندوات والمؤتمرات والأمسيات الدينية في عدد من محافظات الجمهورية، خاصة المحافظات الحدودية لترسيخ مفاهيم السماحة والسلام لدى الشباب وتحذيرهم من خطورة الانسياق وراء المخططات الرامية لتأجيج الفتن بين أبناء الوطن الواحد.
الأزهر يجمعنا
كما أطلق شيخ الأزهر مبادرة (الأزهر يجمعنا) التي تتضمن عدة مبادرات أخرى تحت مسميات مختلفة منها (الأزهر.. لنبذ العنف والتطرف) و(عيشها صح) و(مواجهة الظواهر السلبية ودعم الأخلاق الحميدة)، وذلك بهدف الوصول إلى 4000 مركز شباب لأنحاء الجمهورية للتواصل مع الشباب وتحذيرهم من خطورة التطرف بكل أنواعه. وهذه المبادرات تتم بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة وبمشاركة نخبة متميزة من شباب العلماء بالأزهر.
وعملت المؤسسات الدينية في مصر خلال منظومة واحدة ومتكاملة لمواجهة خطر الإرهاب والأفكار المتطرفة وذلك من خلال محورين اثنين: الأول: تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام على الصعيدين المحلي والعالمي.
الثاني: تبيان المعاني الصحيحة لمفهوم الدين واعتمد على عدة محاور هي:
أولا: إنشاء مرصد الأزهر بلغات مختلفة لرصد كل ما يقال، خاصة ما يعرف بقضايا التطرف والإرهاب وما يوجه إلى الإسلام من سهام مسمومة سواء محلياً أو دولياً، للرد عليها من قبل علماء الأزهر.
ثانيا: إنشاء مرصد بمبنى البحوث الإسلامية لتفنيد دعاوى التطرف ومد السفارات المختلفة بكتيبات وآراء فقهية تدحض هذه الدعاوى.
ثالثا: تنظيم قوافل دعوية دورية بشكل أسبوعي في محافظات الجمهورية تقوم بطرح القضايا الحياتية للناس ومناقشتها من منظور المفاهيم الصحيحة للإسلام.
رابعا: قام الأزهر بإرسال قوافل دعوية إلى مختلف أنحاء العالم تحت إشراف الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وبقيادته هو شخصيا لشرح وتفسير الإسلام الصحيح، والرد على الاستفسارات والفتوى.
خامسا: إنشاء الأمانة العامة لدور هيئات الإفتاء في العالم، والتي اتخذت دار الإفتاء المصرية مقراً لها بما يؤكد الدور الكبير الذي تقوم به الدار.
سادسا: الاتفاق على تنظيم مؤتمر علمي سنوي لمناقشة كل ما يستجد من قضايا إسلامية، وما ينشر عن الإسلام في أي مكان من العالم لفحصه ونشر الرد عليه في دوريات علمية.