هشام العشماوي.. "جهادي" برتبة "ضابط" و"لاعب كرة قدم"
كضابط في القوات الخاصة للجيش المصري، تدرب هشام عشماوي، في الصحراء وتعلم قدرات التمويه وتقنيات البقاء، وكيف تصطاد عدوا في منطقة وعرة، والآن تحول من ضابط يعمل تحت اللواء المصري، لشخص يستخدم هذه التدريبات لغرض آخر، وهو مساعدة زملائه الجهاديين في محاربة الحكومة المصرية.
خصصت وكالة "رويترز" الأمريكية تقريرا مطولا عن الضابط السابق في الجيش المصري، هشام العشماوي، الذي يعتقد أنه يقود تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء، وتوضح الوكالة أن الخلفية العسكرية لعشماوي تجعل منه عضوا مؤثرا بين المقاتلين الإسلاميين، الذين يراهم الرئيس عبدالفتاح السيسي تهديدا وجوديا لمصر، فبحسب مسؤول في الأمن الوطني المصري: "عشماوي هو أخطر إرهابي نواجهه، فهو العقل المدبر والمنفذ".
وبحسب مسؤولون أمنيون، فإن الرجل العسكري السابق، الذي غير ولاءه من تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش، إلى القاعدة، قام ببعض أكبر الهجمات في مصر، من بينها محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في مايو 2013 وقتل النائب العام في يونيو الماضي في انفجار سيارة.
وتابعت الوكالة بالقول أنه في الوقت الذي تتجه مصر إلى انتخابات برلمانية في 18 أكتوبر الجاري، فإن قصة عشماوي تعكس تعقيدات التحديات الأمنية التي تواجه الدولة، حيث تكافح مصر منذ ثمنينات القرن الماضي المتعاطفين مع الإسلاميين داخل الجيش، خاصة عقب قيام ضباط بقتل الرئيس أنور السادات، واليوم الحكومة، التي يقودها السيسي ذو الخلفية العسكرية، تأمل في أن الانتخابات سوف تساعد على جلب الاستقرار، لكن أناس مثل العشماوي يتحدون ذلك.
من تدريبات الجيش لاستخدامها ضد الجيش
قضى عشماوي العقد الماضي من حياته في استخدام ما تعلمه عن قوات الأمن ضدهم، حيث انتقل إلى مدينة درنة الليبية، والتي تعتبر مرتعا للتطرف الإسلامي بالقرب من الحدود المصرية، وقبل نحو عام، وصل إلى مصر على شاحنة محاطا بمسلحين، وفق ما قال إيهاب السنوسي، أحد السكان المحليين.
وفي مدينة الدرنة، الخارجة عن الأراضي المصري، قام عشماوي بقيادة خلية تابعة للقاعدة، بحسب مسؤولين مصريين، والذين أكدوا أنه بالرغم من الحملة الأمنية الحالية التي تعتبر الأشد في تاريخ البلاد، إلا أن عشماوي تمكن من الهروب من الأسر.
يوضح العديد من زملائه السابقين، أن طريق عشماوي من الجيش إلى أن يصبح أكثر الرجال المطلوبين في مصر، يظهر أن الكثير من المشاكل التي تواجهها البلاد هي داخلية.
ويؤكد ضابط عسكري في سيناء، حيث يقاتل عشماوي إلى جانب تنظيم داعش: "نحن لا نخاف من أي أحد منهم، عشماوي أو أي شخص آخر سيسقط قريبا"، قبل أن يضيف: "المشكلة أنه خارج الدولة، خاصة في ليبيا، وهذا يجعل أمر اعتقاله صعب، نحن في الطريق الصحيح، نحن في حاجة لقليل من الوقت لننهي على الإرهاب في مصر".
عشماوي من لاعب كرة قدم إلى ضابط بالصاعقة
ولد عشماوي في عام 1978، وظل لفترة طويلة متعصبا للياقته البدنية، وكان حديثه عنها قد أخفى جانبا كبيرا من توجهاته السياسية، بحسب أقاربه.
انضم عشماوي بعد ذلك إلى وحدة القوات الخاصة التي تسمى الصاعقة، ولم يعطِ أي معارضة للرئيس الأسبق حسني مبارك، يوضح أحد الضباط الذي كان يعرفه: "كان معتادا على تشجيع النوادي الكروية معنا على التليفزيون، وأنه لم يكن متشددا بأي شكل من الأشكال"، قبل أن يضيف أنه كان لاعب كرة قدم جيد.
توضح الوكالة أنه بعد عام، بدأ عشماوي ليكون أكثر تقوة، بحسب المقربين منه ذلك الوقت، والذين أكدوا أنه شوهد يعطي كتب أدب إسلامي وكتيبات لضباط أخرين، يبين سعيد اسماعيل، الضابط السابق الذي عرف عشماوي لما يقرب من عامين أنه على الرغم من معاقبته إلا أنه استمر في تجهيز تجمعات بعد صلاة الصباح.
وتابع اسماعيل:" تحدث معنا حول ضرورة أن يكون لدينا شخصيتنا الخاصة وألا نقبل الأوامر بدون التفكير فيها".
تلفت رويترز إلى أن عشماوي بدأ في التحول السريع وتوجيه انتقادات للحكومة، وفي أحد الأيام، صاح عشماوي على إثنين من المجندين:" الانتصار سوف يأتي فقط من خلال القوة"، بحسب ما يتذكره اسماعيل.
بعد أربعة أعوام في الصاعقة، قامت السلطات بنقل عشماوي إلى أدارة أخرى حيث اعتقدت أنه بذلك سيكون أقل خطرا، لكنه التقى بضباط أخرين وتحدث معهم في الإسلام السياسي واستمر في توزيع الكتب المحظورة.
نقطة التحول
يقول أقارب أن نقطة التحول قد حدثت عام 2006، حينما اعتقل أمن الدولة صديقا مقربا من عشماوي، ويعتقد أن الرجل تعرض للتعذيب وتوفى في الحجز، وهو ما أدى إلى تحول حاد في مزاج عشماوي.
يقول ابن أخيه، أسامة محمد، الذي كان مقربا منه: "قبل هذا الحادث، كان متدينا مثل المصريين الآخرين، لكنه لم يكن يكره رجال الأمن الوطني أو الجيش، كما كان له العديد من الأصدقاء في الشرطة"، يشير محمد إلى أنه بعد هذا الحادث قطع علاقته بجميعهم ما عدا اثنين.
توضح الوكالة أنه في عام 2007، قضت محكمة عسكرية بفصل عشماوي من الجيش، واتجه بعدها للعمل في الاستيراد والتصدير في القاهرة، من خلال التجارة في الملابس وقطع غيار السيارات، كما حافظ على لقاء ضباط جيش سابقين في مسجد قريب من شقة والده، وخلال الفوضى التي أنهت حكم مبارك في 2011، استطاع عشماوي أن يفلت من مراقبة المخابرات العسكرية.
ومع الإطاحة بمرسي من الحكم عام 2013، بدأت جماعة تطلق على نفسها اسم أنصار بيت المقدس شن هجمات على قوات الأمن والجيش من سيناء، وانضم عشماوي لأنصار بيت المقدس في 2012، وبعد عام واحد، ظهر كمفتاح رئيسي في العمليات، بحسب مسئولن أمنيين، حيث كان يتولى خلية تعلم المقاتلين كيف يمكنهم تنفيذ مهمات تفجير انتحاري وزرع قنابل على جوانب الطريق وإطلاق النار على الجنود.
في عام 2013، وبعد نجاة وزير الدخالية من محاولة الاغتيال، داهمت قوات الأمن منزل عشماوي، ووجدوا، معدات تدريب مكثف، من بينها حبال تسلق الجبال متدلية من السقف.
كما داهمت الشرطة مركز "الجيم" الذي اعتاد عشماوي أن يرتاده 3 ساعات كل جمعة، يوضح مدير الجيم:" لم يكن يتحدث مع أحدا، حينما يأتي وقت الصلاة، كان يصلي بداخل الجيم، وكان لا يحب الحديث عن السياسة".
محاولة اعتقاله
قال أحد المسئولين الذين شاركوا في عملية المداهمة أن عشماوي مؤثر جدا لأنه يعرف كيف يفكر رجال الأمن والجيش الذين يلاحقونه:" لقد تمكن من الفرار بطريقة جريئة حينما كنا نحيط به".
توضح الوكالة أنه في نهاية 2013، قامت قوات الأمن بمحاصرة عشماوي و24 مقاتل أخرين لمدة 24 ساعة في الصحراء بالقرب من العين السخنة، وقتل 5 في هذه العملية، لكن عشماوي وواحد أخر تمكنا بالفرار، يعلق ضابط من القوات الخاصة:" لا أعلم كيف حدث هذا، حيث قال مسئول الأمن الذي يتعقب عشماوي أنه على معرفة قوية بطرق الهروب الصحروية ونقاط التفتيش، في بعض الأحيان يرتدي كبدوي، وأحيانا بنطال جينز وقبعة".
تلفت الوكالة إلى انه في يوليو من العام الحالي، ربما كانت قوات الأمن على مقربة من أسر عشماوي أكثر من أي وقت مضى، حينما قاد هجوم بالرشاشات الألية والقذائف الصاروخية على نقطة تفتيش في الفرافرة والتي أودت بحياة 22 جندي من حرس الحدود، وبحسب المسئولين فإن عشماوي قد أصيب لكنه هرب.
واتجه عشماوي بعد ذلك إلى ليبيا مستغلا الفوضى التي تضرب بالبلاد منذ سقوط معمر القذافي، ومن الصعب على القوات المصرية تعقبه، فعلى الرغم من أن الجيش شن ضربات جوية على داعش في درنة فبراير الماضي، إلا أن هناك تردد في البحث عنه هناك.
في نوفمبر من العام الماضي، أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس ولاءه لداعش، وانفصل عشماوي عنهم بحسب مصادر أمنيه، وانضم إلى درنة بواسطة 3 ضباط سابقين ورجلين أمن.
اقرأ أيضا