صراع الصقور هل يكتب نهاية الإخوان ؟
تابع العديد من المراقبين الأنباء التي تحدثت عن انقسام في هيكل الإخوان القيادي، وتحدث البعض عن صراع بين جيل قديم وآخر جديد تولى القيادة، ودارت التحليلات والتكهنات والتفسيرات دون أن تغوص في أعماق ما يجري داخل الجماعة الأقدم في مصر، والتي كانت تحكم مصر قبل أن يقودها فشلها في الحكم إلى فشل أفدح في المعارضة، التي تباينت وسائلها في عقل القيادة الإخوانية بين مظاهرات سلمية تستبطن بعض العنف تتلاقح مع مجموعات عنف مباشر مثل أنصار بيت المقدس وغيرها من المجموعات، أو تنظيم العنف المسلح في توجه عام مباشر، تعود قصة الخلاف بين مجموعتين يعبران عن تيار الصقور داخل الجماعة أو بالأحرى تيار الصقور وأفراخ الصقور التي تفوقت على الأباء في العنف والتكفير.
فما نشهده في حقيقته هو نتاج تربية الصقور أو القطبيين بالأحرى، فقد نجحت خطة التيار القطبي الذي ادعى بعض رموزه السلمية مثل غزلان والبر ومحمود عزت في تغيير المزاج العام لأعضاء الجماعة، بعد دفعهم للاصطدام بآلة الدولة الأمنية والسعي لمقتلة عظيمة في رابعة وما تلاها من مشاهد، بهدف إطلاق حالة من حالات الثأر مع الدولة المصرية وهو ما ترجمه بيان أخير لمحمد منتصر قال فيه إن الخيار الاستراتيجى للجماعة هو الخيار الثوري، التعبير الشفري الجديد لكلمة العنف الشامل الذى اختارته القيادة الجديدة طريقا لها.
كان اجتماع لمجلس شورى الجماعة انعقد في اعتصام رابعة العدوية قبل الفض، اتخذ قرارا بالتصعيد مع الدولة المصرية وتوقع في سياق ذلك القبض على عدد من قيادات الصف الأول وكلفت بعض القيادات بالخروج من مصر مثل جمعة أمين ومحمود حسين، مات الأول بعد مرض طويل ودفن في لندن، بينما مارس الآخر قيادة التنظيم قبل أن يصطدم بالجيل الجديد من شباب الجماعة، الجيل الذي اكتسب شرعية الوجود في الشارع وكان أقرب لما سمى بالحراك الثوري وتطوره من حالة السلمية في البداية إلى حالة العنف المتدرج.
ومن ثم في هذه الأجواء أجريت انتخابات في فبراير من عام 2014 أسفرت عن انتخاب هيكل قيادي جديد غلب على تركيبته الشباب، بما تطرحه روح العنف التي زرعتها في نفوس هؤلاء الشباب بالأساس تلك القيادات، التي أزعجها بالأساس خروجها من دائرة التأثير، وقد انتظرت عاما وهي تمضغ جمر الصبر على الإبعاد عن القيادة، وحين عاينت بدء المجموعة الجديدة الإقدام على بناء استراتيجية جديدة تستبدل السلمية التي نعتها التيار القديم بأنها أقوى من الرصاص بالسلمية التي ستكون أقوى بالرصاص، بدا أن زمام الأمر يفلت من قيادة رغم أنها قطبية وتؤمن بالعنف المؤجل إلا أنها تخشى على التنظيم وبقائه أكثر ربما من حياتها، وقد مارست بنجاح عبر عقود تقية سياسية مكنتها من إخفاء وجهها الحقيقى العنيف والتكفيري، دار السجال بين الفريقين مكتوما تحاول المجموعة القديمة المراوغة بالإخوان المصريين في الخارج، فترد المجموعة الجديدة بفك ارتباط الإخوان المصريين بالخارج بإعلان مكتب لإدراة شؤونهم بالخارج وهكذا.
ماذا كانت تتوقع تلك القيادة القديمة وهي عبر وسائل إعلامها تحرض على العنف والتكفير على مدار الساعة وترفع قميص القصاص في وجه كل عاقل، وتردد مراثي القتلى وتزايد على شبابها في ذلك حتى صح فيهم ما قاله الشاعر
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
فقد اشتد ساعد الصغار وامتلكوا شجاعة أن يعلنوا أن هؤلاء لم يعودوا قادة الجماعة، وأن الإخوان تمردوا على خيارات الإصلاح السلمي الهادىء التي كانت تمر عبر النضال الدستوري والقانوني والسياسي عبر مؤسسات الدولة، فلم يعودوا يؤمنون بتلك الدولة ولا بإصلاحها، وباتوا مقتنعين تماما بأن الحل هو في هدمها مهما تكبدوا في سبيل ذلك.
انتصرت إرادة العنف على إرادة السلمية التي كانت سلمية زائفة ، تتخفي خلف غلالة من الأكاذيب والخداع للنفس قبل الغير، وانكشف وجه الجماعة الحقيقي الذي حاولت إخفائه طويلا، وبدا الصراع مكشوفا على قيادتها بين فريقين هما في الحقيقة فريق صقور واحد، يتنازع على القيادة بعد أن أبعد الحمائم الذين لم يعد لهم وجود داخل الجماعة، التي ستتشظى أكثر وربما تمضي بعض الوقت بالقصور الذاتي، لكنها لن تفلت من مآل بائس ينجرف فيها بعض شبابها إلى العنف، بينما ينزوي آخرون بإدراكهم أن سبيل العنف أطاح بدول مجاورة قبل أن يطيح بأنظمة ناصبوها العداء، ما هو مؤكد أن الجماعة لن تعود أبدا كما كانت في عقود سابقة حتى وإن بقى البعض يغنى على أطلالها.