التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 04:00 م , بتوقيت القاهرة

لماذا حذفنا موضوع بطلة "سيب إيدي"؟

بدأ مسؤول شيفت الصفحة الرئيسية الليلي بدايته المعتادة. راجع "عداد المواضيع" لكي يكون فكرة سريعة عن المواضيع الرائجة على الموقع. فوجئ بأن أحدها كسر الأرقام السابقة، عدد الداخلين إليه لحظيا أكبر من أي قصة أخرى. على الفور طالع القصة ليرى لماذا كل هذا الرواج. فوجد عنوانها كالتالي: "الأماكن التي مارست….. فيها الجنس".


ملاحظة: قصص الجنس تأتي بقراءات عالية جدا. المدعون الذين يقولون إنها لا تفعل يصدرون لكم وجها غير حقيقي عن الصحافة، كونها كاشفة لاهتمامات المجتمع الحقيقية. الجنس يأتي في أعلى قائمة اهتمامات مجتمعنا. قد تعجبنا هذه الحقيقة أو لا تعجبنا، لكنها مثبتة من خلال أبحاث جوجل، ومن خلال "الترافيك" على مواقع السوشال ميديا.


لكن أي نوع من قصص الجنس؟


لا بد لقصة الجنس لكي تنجح جماهيريا أن تكون فضائحية، متسخنة في عنوانها. ثم، لإرضاء الناس، تحمل إيحاء بإدانة أخلاقية ينصب فيها الصحفيون في مصر أنفسهم قضاة على الناس.


في هذه القصة لجأ أحد الزملاء إلى هذه الوصفة. فنجحت القصة. وحققت "أعلى ترافيك"، في وقت قصير جدا. لكننا رغم ذلك تخلصنا منها؟ لماذا؟


لأننا في دوت مصر - على عكس ما يشيعه عنا منافسون - لا نسعى وراء "ترافيك" الجنس. ولا نريد أن ننصب أنفسنا قيمين على الناس. القانون يستطيع أن يدين من الأفعال ما يشاء، ويتشدد مع ما يشاء، ويتسامح مع ما يشاء، تبعا لقيم المجتمع الذي يخرج منه هذا القانون. أما نحن - كإعلاميين - فوظيفتنا يجب ألا تتعدى نقل هذا، في الخبر، أو التعليق عليه في المقال، أو التضوية على جميع جوانبه، الظاهر منها والباطن، في التقرير. ولذلك فإن عنوانا مُدينا لامرأة (أو رجل) لم تحاكمها محكمة شيء غير مقبول. عنوان يلعب على المشاعر الشائعة ضد إنسانة شيء غير مقبول.


من أجل ذلك رفعنا الموضوع رغم أنه كان "جوهرة ترافيك". لأنه يتنافى مع قيمنا الصحفية.


أعود إلى موضوع الجنس والصحافة. قيمنا الثلاث في دوت مصر كالتالي: موضوعية حيوية بهجة. ستلاحظون أننا لا نقدم كلاما كبيرا كالذي تحمله الصحافة في قيمها النظرية ثم تضرب به عرض الحائط في ممارستها العملية. نحن ببساطة نريد أن نهتم بالموضوع فلا نشخصن القضايا، وأن نعتمد على المعلومة لا على الانطباع. هذه هي الموضوعية.


أما الحيوية فهي في طريقة المعالجة. فيديوهات دوت مصر شيء يرفع الرأس ويثير غيرة آخرين. أعرف. الموضوع مش إمكانات كبرى، لأن إمكانات دوت مصر الإنتاجية (سيبك من ما كان في مرحلة التأسيس الذي لم يكتمل) محدودة للغاية، لأسباب لا مجال ولا داعي لذكرها حاليا. ونحن حتى الآن لم نقم بأي حملة تسويق، على أي مستوى، ورغم ذلك نحقق تقدما جيدا جدا. لم نشتر رقما واحدا مزيفا في أي من صفحاتنا المعنونة "دوت مصر، دوت كورة، دوت جريمة، دوت تي في". أبدا أبدا.


الموضوع مش إمكانيات، الموضوع فكرة. من أجل ذلك تناقلت وسائل إعلام عالمية فيديوهاتنا. فيديو قناة الجزيرة، فيديو اختبار الطالب الجامعي، فيديو التحرش، فيديو يهودي في الشارع وغيرها كثير جدا. أشياء لم تستطع مؤسسات غزيرة الإمكانات، حصلت على "ترافيك كبير" من خلال حملات تسويق ضخمة بالملايين، ومن خلال شراء ترافيك بالملايين، أن تنتج مثلها. لماذا؟ لأنهم لا يملكون الفكرة. يملكون مجموعة من الشعارات القديمة، والأفكار القديمة، يعيدونها مرة بعد مرة.


نأتي إلى البهجة. نحن نؤمن أن الحياة فيها أنشطة كثيرة. المجتمع الذي يتسامح مع قتلة، ولا يبالي أن يسميهم مناضلين ورفقاء ميدان، أو حتى الذي يعتبر القتل جريمة غير مخلة بالشرف، والصحفيون الذين يفعلون ذلك، محتاجون لأن يراجعوا أنفسهم. كون المجتمع لا يدين القتل بقدر ما يدين الجنس لا يعنينا في دوت مصر.


استخدمت الجنس هنا لغرض المقارنة فقط. وتمهيدا لكي أقول إننا في دوت مصر نهتم بالبهجة بوجه عام. نؤمن أنها قيمة إيجابية. بهجة ركوب دراجة، بهجة تذوق أكل طيب، بهجة ممارسة هواية، بهجة التمتع بجمال، في طبيعة، ديكور، معمار، لوحة، بشر، ونعم، بهجة الجنس كثالث أهم نشاط إنساني بعد التنفس والغذاء في الحفاظ على الإنسان من الفناء.


لذلك نهتم بأن نقدم معلومات عنه، في المواضيع التثقيفية. ونهتم أيضا بأخباره كنشاط إنساني، اجتماعي، اقتصادي. ونهتم بمقدماته الجمالية، من أزياء وجمال جسدي ونشاطات اجتماعية. لأنه، كما قال عادل إمام في فيلم النوم في العسل، "حاجة ببلاش كده". متعة ببلاش كده. وضرورة نفسية وفسيولوجية وصحية. طريقة التعامل معه، وأطره، قضية أخرى، يحددها كل مجتمع، جماعة في مجتمع، وفرد في مجتمع، كما يحلو لهم. سيظل نشاطا إنسانيا مهما، طريقة ممارستنا له انعكاس لرؤيتنا له، ولمعرفتنا عنه. هذا ما يسمونه ثقافة جنسية. هذا ما نحاول أن نساهم فيه، بدل ترك الموضوع لكارهي الحياة، وللمتأثرين بهم.


أعود إلى ما بدأت به. نعم في دوت مصر لا نخجل من التعرض لمواضيع الجنس، لكننا لن نبتذله. على الأقل نحاول وسنظل نحاول، وسنخطئ حين تظهر على السطح ترسبات قديمة "شائعة" عند بعض صحفيينا، وسنتعلم، ونقدم مادة أفضل.