التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 07:37 م , بتوقيت القاهرة

ماذا يريد المسيحيون المصريون من مصر ؟

قبل أن تقرأ هذا المقال لعلك مررت على اسم صاحب المقال "مينا" الاسم الأكثر تكرارا في أوساط المسيحيبن المصريين من الطائفة الأكبر في مصر الأرثوذكس، التي تعني الصواب أو المستقيم.

نشأت في بيئة سويّة معتدلة ومتزنة.. علاقات أسرية متشابكة مع أسر مسلمة كانت ولازالت صحية وبها كل النفاصيل الجميلة من المشاركات في الأحزان والأفراح.. مدرسة للراهبات منذ الطفولة حتى الجامعة وأصدقاء مقربين مسلمين ومسيحيين.. كلية عادية حكومية ودراسة طبيعية وعمل لم أتعرض فيه لأي تمييز.. حياتي مثال حقيقي بلا نفاق للمواطنة.. هل هذا كل شيء ؟

لا..كانت هناك مجموعة أسئلة ظلت في بالي ولا أنساها.

هو أنا بذاكر ده ليه؟

في طفولتي كنت دائما ما أسأل لماذا يجب عليّ حفظ أجزاء من القرآن؟ قال لي أبي إننا نتكلم اللغة العربية وهي لغة القرآن لابد أن نعرفها بدافع العلم.. سنحفظها وندرسها.. قلت حسنا ولماذا لا ندرس اللغة القبطية وهي اللغة الأصلية لبلدنا؟ لم أجد ردا.

قبل امتحان الإعدادية.. أعطانا مدرس اللغة العربية ورقة مطبوعة بها مجموعة من الآيات والأحاديث وقال لنا لابد من حفظها وتطعيم موضوع التعبير بها.. نظر لي يومها وقال مينا يا مسيحي يا لمض هتحفظها وهتكتبها عشان تجيب درجات وتقفل التعبير.. ضحكت له ونفذت تعليماته بطيب خاطر.. قبل أن نمشي قال لا تنسوا الفوارق بين الحديث والآيات ولا تدمجوا بينهم.. احتجت وقتا لأعرف الفارق ولكني حفظت.

هو إحنا مش معاهم ليه ؟

نحن عائلة أهلاوية جدا وكروية جدا.. وجدت جدي يشجع لاعب في منتخب مصر أكثر من باقي اللاعبين.. هاني رمزي.. نظر لي وقال ده المسيحي الوحيد اللي هنا.. يومها أحرز هدفا ورسم الصليب فوجدت عيني تبتسم.. إحنا معاهم أهو.

سألته يومها هو ليه مفيش لاعيبة كورة مسيحيين كتير.. ضحك وقال لي.. يابني مابيطلعوش..  مابيلحقوش وبيتقفل عليهم بدري بدري.. قلت له يا سلام ما في دكاترة ومدرسين ومهندسين إشمعنى الكورة؟ أجابني بأن هناك فارقا بين السعي لشيء ما بمجهودك فقط والسعي له بمساعدات خارجية.. لم أفهم.. حتى جاء ذلك اليوم.

كان لي صديق يلعب معنا كرة قدم في نادي الكنيسة.. كان رائعا وهدافا وسريعا، كان أكبر منا بسنوات، وكنا أطفالا نجلس لنشاهد أي مباراة يلعبها.. يوما ما أتى دامع العينين.. سألته ماذا بك قال لي.. أنا بعد ما اتقبلت في نادي جولدي، وقتها كان يلعب في الممتاز، مارضوش يمضوا معايا العقد عشان مسيحي.. لم أرد وتركته مع أصدقائه وأكملت لعب.

تكرر الموقف أكثر من مرة مع بعض أصدقائي المتقدمين لكلية الشرطة.. هناك نسبة لا تتعدى الـ 2 % في الدفعة كما حكوا لي.. تكرر مرة أخرى مع تعيينات أوائل الدفعة عند تخرجي من الكلية وظل السؤال باقبا.. هو إحنا مش معاهم ليه؟ نعود لعنوان المقال..

ماذا يريد المسيحيون من مصر ؟

الحقيقة هم يريدون ما يريده المصريون جميعا.. يريدون تعليما جيدا لأولادهم وتأمينا صحيا حقيقيا.. يريدون مساواة وعدل.. يريدون مواطنة حقيقية دون النظر لخانة الديانة قبل التعيين في المناصب القيادية .. لقد قامت حملة ضد وزير العدل بسبب تصريحة ضد أولاد جامعي القمامة.. ماهو رأيه ورأي غيره من الوزاراء- الحقيقي- في تعيين المسيحيين في المناصب القيادية؟ عدا وزارة البيئة ومثيلاتها من الوزارات.. هل نريد كوتة ؟ لا لا نريد كوتة.. الكوته إهانة وتمييز لا نقبله كل ما نريده العدل الحقيقي وليس عدل التصريحات.. ثم بمناسبة الكوتة.. على أي أساس حتى ستحدد ولا يوجد تقرير رسمي معلن عن أعداد المسيحيين في مصر وكأنه سر حربي؟!

المسيحيون هم مصريون ليس فيهم من له انتماء للفاتيكان أو لأمريكا مثلا أكثر من مصر.. المسيحيون يموتون مع زملائهم على الحدود مدافعين عن نفس التراب.. المسيحيون يأكلون نفس الطعام ويتعرضون لنفس جرعات الإحباط ويفرحون نفس الفرح.. لماذا لا تريدونهم في مناصب قيادية؟

قالوا .. دول أقلية عاوزين يبقوا لوبي ودولة جوه دولة ولو مسكوا هيسيطروا .

المسيحيون كقوة ناعمة تصويتية ظهرت وبشدة في انتخابات الرئاسة لا يصح اعتبارها أقلية.. أما بالنسبة لللوبي فالمسيحيون يجمهم لوبي واحد هو لوبي الخوف.. الخوف من تهميش واضطهاد وتمييز وجزية ملأ بها المتطرفون الإعلام.. ليس لوبي فلولي كما قيل ويقال.. ولكم في نسبة تصويت المسيحيين لحمدين صباحي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2012 أكبر دليل.

المسيحيون المصريون، حتى البسطاء منهم، لا يهدفون لا للسيطرة ولا للكثرة العددية.. انظر حولك قل لي كم عائلة مسيحية تمتلك أكثر من طفلين وتسعى دوما لتنظيم الأسرة هل هذا تصرف قوم يريدون السيطرة؟

قالوا ... المسيحيون إنتماؤهم للكنيسة وللبابا وبيسمعوا كلامه أكتر من البلد.

يمكن هذا هو الاتهام الوحيد الذي يحمل قدرا من الصحة ولكنه في المطلق لا يجوز.. الاتجاه العام للمسيحيين المصريين بعد الثورة من الشباب تحديدا مختلف وبشدة.. نفس نغمة الاضطهاد والظلم بتتكرر.. يعني المسيحيين على طول الخط مضطهدين؟

لا يا عزيزي.. للمجتمع المسيحي المصري أخطاء تبعده وبشدة عن المواطنة الحقيقية وهو ما سنتكلم عنه المقال القادم بإذن الله.

لمتابعة الكاتب