التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:26 م , بتوقيت القاهرة

هل تهاجم الصحافة السعودية مصر بتعليمات؟!

الازدواجية أسوأ مرض سياسي.. يجعلك ترتدي قناعين وتعيش بشخصيتين.. إحداهما تُحقق بها مصالحك..والأخرى تُلهب بها ظهور أعدائك.. الازدواجية الصحفية أو الإعلامية مختلفة عن شقيقتها السياسية.. الذين يمارسونها في الإعلام غالبا ينفذون تعليمات أو ينتقدون أوضاعا في بلد ما في إشارة أو إسقاط على بلد آخر لا يستطيعون التلميح به.. السياسي المزدوج يزعم أنه يخدم مصالح بلاده.. لكن الصحفي صاحب الوجهين يخدم عادة أكل عيشه أو الدولار.


 اليوم أتحدث عن عددٍ من الصحفيين اللبنانيين العاملين في الصحف السعودية الذين بدأوا مؤخرًا هجوما على نظام الحكم في مصر بسبب إعدام مرسي... الصحفيان الكبيران حازم صاغية ووليد شقير بجريدة الحياة مستاءان من الحكم المخفف الذي صدر ضد ميشال سماحة الوزير اللبناني الأسبق المتهم بإدخال مواد متفجرة إلى لبنان.. كانت محكمة عسكرية لبنانية قد أصدرت قبل أسبوع حكما على سماحة بالسجن أربعة أعوام بتهمة التخطيط مع رئيس جهاز الأمن الوطني السوري ومدير مكتبه لنقل متفجرات من سوريا للبنان بنية تفجير وقتل شخصيات سياسية لبنانية ورجال دين وذلك عبر الحدود بين سوريا ولبنان.


غير أن الصحفيين ربطا بين الحكم المخفف الذي صدر ضد سماحة وحكم الإعدام الصادر ضد الرئيس المعزول محمد مرسي بتهمة التآمر والخيانة والتخابر مع حماس وقطر وتركيا.. زعما أن الأحكام التي تصدر عن المحاكم العسكرية دائما ما تكون أحكاما سياسية، وأن النظام العسكري في لبنان لا يختلف عن نظيره السوري أو المصري فكلها أنظمة فاشية تطوع الأحكام وفقا للأهواء. 


والحقيقة أن هذا الخلط بين محاكمة الوزير سماحة والرئيس المعزول مرسى صادفه الجهل مع الازدواجية والتحيز.. فأولا الذي أصدر الحكم بإعدام مرسي هي محكمة مدنية مصرية وليست عسكرية.. ثانيا إذا ما كانت الصحافة السعودية الناقمة على نظام بشار الأسد الدموي ترى أن دمشق تدخلت مع عملائها من النظام في لبنان لتخفيف الحكم على سماحة، فما الذي أقحم مصر في المسألة؟!


الغريب أن بعض الأخوة الصحفيين السعوديين واللبنانبين بدأوا يرددون الآن نغمة غريبة عن الأحكام القضائية في مصر، واصفين إياها بالمسيسة، خصوصا تلك الصادرة ضد جماعة الإخوان الإرهابية.. يُمكن أن تنتابك الدهشة وترفع حاجبيك متعجبا ومتسائلا: منذ متى تدافع الصحافة السعودية عن الإخوان؟ وهل لو وقعت جرائم إرهابية مثل تلك التي وقعت فى مسجد الشيعة بمدينة القطيف ولقى قرابة 30 مصليا مصرعهم في صلاة الجمعة، ثم صدر حكم بإعدام مسؤولي التنظيم الذي ارتكب الجريمة هل سيدافعون عن المتهمين أم سيتجاسرون على نقد أحكام الشريعة التي تقطع رقبة القاتل؟!


طبعاٌ لا أعتقد أن هناك تعليمات رسمية للصحفيين في الجرائد السعودية الكبرى بمهاجمة مصر.. كل ما في الأمر أن الحكم القضائي المخفف على الوزير الأسبق ميشيل سماحة استفز اللبنانيين لأنه معروف بولائه لبشار الأسد، وأنه عميله الثاني فى لبنان بعد حسن نصر الله.. لكن المتأمل بحيادية للحكم القضائى يكتشف بسهولة منطقيته، وذللك لأن أنصار سوريا في لبنان يزيدون عن نصف عدد السكان فلا حاجة لهم لتهريب الأسلحة بالطريق الرئيسي أو على الحدود ، لأن عمليات التهريب قائمة على قدم وساق بالأنفاق والممرات السرية.. من ثم فإن هدف الصحفيين اللبنانيين أو السعوديين هو تلبيس الاتهام للرئيس السوري توطئة لغزو بلاده وعزلها وتقسيمها.. هذا ما تسعى إليه السعودية التي ترى أن سوريا وحزب الله الإيراني بلبنان خطر كبير على أمنها القومي!


إذن ما ذنب مصر ؟
لقد صمت الإعلام السعودي على جرائم إقامة سلطات لميليشيات موازية داخل العراق، وأنتج ذلك نوري المالكي والعبادي وغيرهم، والآن يغضبون مما يحدث في اليمن على أيدي علي صالح والحوثيين وعملاء سوريا أمثال ميشال سماحة وعيد .. لكن الغريب أن كل وسائل الإعلام السعودية إبان حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز هاجمت تنظيم الإخوان الإرهابي وانتقدت إقامة فاشية دينية ترتكب المذابح وتدفع البلاد إلى حرب أهلية بغيضة، كادت تدفع مصر إلى مصير العراق أو السودان أو ليبيا وسوريا، لولا يقظة الجيش المصري الذي حمى الكنانة من فتنة كبرى، فما الذي غيّر مواقفهم؟!


أخطاء الربيع العربي 
أسوأ ما يُكتب في الصحافة السعودية الآن مقارنة ما يزعمون بأنه انتكاسة للربيع العربي في سوريا، وبين ما يحدث من أحكام قضائية ضد رموز الإخوان في مصر.. فإذا كانوا يعتبرون أن ما يحدث في سوريا من قتل وترويع وتقسيم للبلاد وتدمير للآثار المسيحية الذي لم يقدم عليه خلفاء رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ثورة، فإن ما حدث في مصر مختلف.. فالإخوان اختطفوا ثورة 25 يناير من ثالث يوم ودانت لهم قطوفها.. وعاش المصريون وهم البحث عن الديموقراطية حتى اصطدموا بدستور غير قانوني وحكم ديني وتنازل عن حلايب وشلاتين للسودان، وكانت سيناء في طريقها لحماس لإقامة "غزة الكبرى"، وكان لابد من ثورة تصحيح في مصر، وتفجّرت 30 يونيو 2013.


إذا كان اللبنانيون العاملون في الصحافة السعودية ينتقدون القضاء في بلادهم ويتهمونه بالعمالة لسوريا؛ فيضربون عصفورين بحجر  مجاملة لملاك الصحيفة والثأر من بشار الأسد وما فعله في لبنان، فإن عليهم إدراك أن مصر ليست جزءًا من هذه اللعبة.. وإذا كانت الرياض وأنقرة يشكلان الآن تحالفا قويا للإطاحة ببشار، فليس معنى ذلك انتقاد نظام السيسى مجاملة لأردوغان.. هذه تخاريف وليست صحافة محترفين للأسف!