التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 10:34 ص , بتوقيت القاهرة

سيد حجاب.. سبقنا في ذاك الطريق

مكالمة مفاجئة.. تلقيتها الأسبوع الماضي من الشاعر العظيم سيد حجاب.. "سيد الصادقين" من الأحياء في مصرنا الغالية.


كنت قد أرسلت إلى "عمنا" الكبير رابط مقالي السابق حول أهل "الطريق الرابع" في الشارع السياسي الآن.. الذين هم لا "مؤيدين" للنظام على الدوام حتى في الأخطاء، ولا "ثائرين" في كل حين رغم الإنجازات، وبالطبع ليسوا من الإخوان ومؤيدي الإرهاب.. هم نسيج وحدهم، حلموا بالحرية في يناير، واستعادوا الدولة في يونيو، ولا ينوون التنازل عن أي منهما أبدا، الدولة والحرية معا.


جاءني صوته الودود عبر الهاتف، قائلا "وصلني المقال الجميل جدا جدا جدا بتاع الطريق الرابع ده.. وغالبا له كمالة.. مش كده ولّا إيه؟.. يعني ده فتح كلام".. شكرته للغاية بفرح، وأوضحت أني كنت قد كتبت عن ذلك في "الأهرام" من قبل، وأني مازلت أحاول بلورة رؤية متواضعة حول هذا الطريق، لنحكي عما يفعله السائرون به، "غير أنهم بيتشتموا يعني"، وضحكت!


ولأن القصة تحتاج إلى "كمالة" بالفعل، بل "كمالات" عديدة، فقد قادتني هذه المكالمة الغالية إلى قرار بالبدء في الحديث عن التطبيق، لا الفكرة، وكان التطبيق على الأستاذ سيد حجاب نفسه، من خلال آرائه المنشورة ومواقفه المعلنة، التي أقول من خلالها بوضوح، وفقا لتحليلي الشخصي، إن سيد حجاب قد سبقنا بالفعل في "الطريق الرابع".


لا أعلم كيف يكون رأي "الأستاذ" في هذا، ولم أفاتحه به مسبقا، لكنّه تحليل شخصي، والرزق على الله، كما أن "الطريق الرابع" ذاته، يحوي دروبا ومسالك شتى، فهناك من يميل أكثر إلى درب "خصوصية اللحظة التاريخية"، التي تستدعي قوة الدولة قبل الحرية الكاملة، دون مداهنة للنظام، أو تستر على أخطائه. وهناك من يميل أكثر إلى أن الحرية هي التي تبني قوة الدولة، لا العكس، دون هدم للنظام، أو سخرية من نجاحاته.. ميل هنا وميل هناك، في إطار ذات الطريق، بعقل مفتوح وضمير مخلص، لا مصلحة أو ادعاء، لكن لا أحد يميل كل الميل، فيخرج عن النهر، نهر "الطريق الرابع".


بعد يناير.. شعرت شخصيا أن "عم سيد" غدا طيرا يحلق في سماء الأحلام، التي لم يعد يفصله عنها "حجاب"، فهاهو ما كتب له وتغنى به عمرا يصبح حقيقة وواقعا.. وراح يشدو وقتها.. "آن الأوان بقى.. نبقى أحرار بجد.. وناس ولاد ناس بجد.. وولاد بلد.. جمالها مالوهش حد.. وجميلها على كل حد.. وولاد حلال.. لأغلى والد وجدّ.. خلاص بقى.. خلصنا م اللي استبد.. ومسيرنا نخلص من ديوله.. والحقوق تسترد.. ونظرنا بقى أقوى وأشدّ وأحدّ.. حنشوف بعين الحلم والعلم.. الزمان اللي جدّ.. وآن الأوان بقى.. نبقى أحرار بجد".


وبعد يونيو.. سيد حجاب هو كاتب ديباجة الدستور الجديد، وهو من يصف ما حدث فى 25 يناير و30 يونيو، بأنه ثورة غير مسبوقة فى تاريخ الإنسانية، وانها أسقطت مخططا استعماريا كبيرا في المنطقة لتقسيمها. 


وفي فبراير 2014، وعندما كشف الإخوان عن وجههم الإرهابي القبيح،  يرد "الأستاذ" على المخاوف من عودة الدولة البوليسية بدعوى مواجهة الإرهاب قائلا: إن هذا حق يراد به باطل، فالمعركة الرئيسية الآن هي مواجهة الإرهاب، لذا فلابد من التركيز على الأخطار التي تهدد أمننا القومي ووحدتنا الوطنية.


لكنه فى الوقت ذاته، وعلى الصعيد السياسي، يرى أن الشعب بعد يناير ويونيو لن يسمح بعودة النظام القديم أو أي نظام يكرس الاستبداد والفساد. وفى المقابل، وبلا تناقض، يقول إن من حق "الفلول" المشاركة في رسم مستقبل مصر، لكن بشروط الشعب، رافضا أن يحتكر الشباب التحدث باسم الثورة، لأن المصريين جميعا شركاء فيها.


وفي مايو 2014، وفي غمار الانتخابات الرئاسية، يواصل "الأستاذ سيد" المسير، بضمير، في طريق لا يُدركه إلا الصادقون؛ "الطريق الرابع" فى رأيى، كاشفا "الحجب" عن الحقائق كما يراها، فيقول بوضوح إن حمدين صباحى، هو "مرشح من الثورة"، لكنه لا يحتكر حق الحديث عنها، وأن عبد الفتاح السيسى "مرشح اختارته الثورة". وهو يضع كل ذلك تحت لوحة إرشادية كبرى، في الطريق، كتب عليها أن "الشعب لم يعد يعطي تفويضا أو شيكاً على بياض لأحد"، مستشهدا بأن المشير السيسي حين تراخى في تنفيذ تفويض مواجهة الإرهاب خسر جزءا كبيرا من شعبيته.


ولكن.. فى مارس 2015.. يبدو أن "الأستاذ" قد رأى أن "الزمان لم يستجدّ"، وأننا إذا كنا "خلصنا م اللي استبد"، فإننا لم "نخلص من ديوله"، وأن ما أصبح "أقوى وأشدّ وأحدّ" لدينا الآن هو "القلق"!.. فنجده يعبر عما يسميها "المعركة مع الماضي" بقوله.. إن الشعب يسعى إلى استعادة الدولة التي تخدم الشعب بينما يسعى أنصار النظام القديم إلى استعادة السلطة.. وأن شعار حملة الرئيس "بالعمل تحيا الشعوب" كان ينبغى أن يستكمل بعبارة "وبالعدل تتقدم الأمم".. وأن الأخطاء التي تحدث الآن سببها أننا مازلنا نتصور أن حل مشكلة الأمن ينبغى أن تكون على حساب الحقوق والحريات.. وأن فكر الشرطة لم يتغير لأنها مازالت تدار بعقل قديم.


كل ما سبق، تطبيق لمسار "الطريق الرابع"، على مسيرة رجل "سيد"، تربينا جميعا على هدى كلماته. لا نشك فى صدقه. اتفق أو اختلف مع رؤيته، فالاختلاف - في هذا الطريق- واجب وقدر، وهو من سنن البشر. اختلف كما تشاء، ولكن أرجوك.. لا تمض أعمى فترتطم.. ولا تبادر بقذف الحجارة.. فقط لاتقاء الشر.


 وسوف تكون لنا "كمالة"، أو "كمالات"، نتزود بها كل حين، فى الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك