التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 12:25 م , بتوقيت القاهرة

أســبوع تعيــس

أسبوع تعيس أعيشه ويعيشه الكثير من السعوديين.

يوم الجمعة الماضي دخل مُصلٍ إلى مسجدٍ شيعيّ في منطقة "القطيف" شرق المملكة العربية السعودية وفجّر نفسه بين المصلين. الانتحاري داعشيّ عائد من سوريا. قتل 21 شخصا أصغرهم طفل في الروضة احتفل بتخرجه وانتقاله لسنة أولى ابتدائي قبل الحادث بيومٍ واحد فقط. ماتوا، تقطّعوا، وانتشرت دماؤهم على أرض المسجد وجدارنه.

الإرهابي انتشرت صورته مقطوعا إلى نصفين من عند الخصر، مكان الحزام الناسف، رأسه وأكتافه وصدره في جهة وباقي جسده في الجهة الأخرى. تفرّجت على صورة الإرهابي الميت المقطوع نصفين، الحقيقة لأول مرة أستمتع بمشاهدة صورة بشعة وأُمعن النظر فيها وقد كُنتُ في الماضي أمتنع عن مشاهدة مثل هذه الصور الوحشية حتى لا تُخدش إنسانيتي، ولكني هذه المرة لم أقاوم، أخشى أن أكون قد توحشت أنا أيضا!

دشنوا هاشتاج #تفجير_إرهابي_في_القطيف شارك فيه الصاحي والمهبول، المتشدد والمتراخي، الجميع بلا استثناء أدان هذا الحادث البشع والذي يهدف إلى زعزعة الداخل السعودي ويضرب لحمتنا. في الهاشتاج تولّد شبه إجماع على أن الحادث من صنع إيران. بعد سويعات تبنت داعش التفجير ونشرت صور المُفجّر واسمه وبيان مكتوب وصوتي تشرح فيه تفاصيل الحادث وتتباهى بالنصر الذي حققته بقتل الشيعة المرتدين. حتى بعد البيان لازالوا يقولون إن إيران هي المفجرة (عدا كم حبة اتهمت إسرائيل وأمريكا)!

"عنز ولو طارت" هذا مثل سعودي طريف له قصة. كان هناك رجلان يُراقبان حيوانا بعيدا وبالكاد يرونه، قال أحدهما "هذه عنز" ( وهي أنثى الماعز)، قال الثاني "لا ليست بعنز"، واختلفا فتجادلا ثم طار الحيوان وحلق في السماء، قال الثاني "قلت لك ليست بعنز، انظر هاهو يطير"، رد الأول وقال "عنز ولو طارت".

داعش تقول أنا فجرت وهم يقولون: لا إيران التي فجّرت. بعضهم يقول داعش صناعة إيرانية! أعتبر هذه نكتة الموسم نضحك بها على أنفسنا ونُضّحك الناس علينا. كيف تكون داعش إيرانية والكثير منا عنده أخ أو قريب أو صديق منضم إلى داعش! شباب نعرفهم جيدا، معرفة شخصية، تربوا بيننا وعلى أيدينا وفي مدارسنا ومراكزنا الصيفية، ونعلم يقينا أن لا علاقة لهم بإيران لا من قريب ولا من بعيد، بل على العكس يكرهون إيران ويُكفّرون الشيعة. شباب كانوا مشرقين واعدين حولهم التطرف إلى شياطين نستعيذ منهم ليل نهار.

أسبوع تعيس...

قبل حادث التفجير بيوم، وفي يوم الخميس، نشرت الكاتبة السعودية حصة آل الشيخ مقالا بعنوان "مُعتقل الوفاء التراثي النسوي" في صحيفة الرياض السعودية. المقال يُناقش عِدة المرأة المتوفى عنها زوجها، تبنت فيه الرأي القائل بأن المتوفى عنها زوجها ينبغي عليها أن تمتنع عن الزواج في أشهر العدة ولكن لا يجب عليها أن تحبس نفسها في البيت، واستدلت ببعض الآراء الفقهية الداعمة لوجهة نظرها. تقول إن الحبس في البيت ليس من الدين ولكن من التراث، وانتقدت التراث وتحدثت عما تُعانيه المرأة في مجتمعنا والظلم الواقع عليها في مقال قوي مؤثر وأيضا عاطفي.

امرأة منا تتحدث عن معاناتنا، من الطبيعي أن تكون عاطفية وتستخدم لغة قوية من القهر الذي تحسه. قرأ بعض المتطرفين المقال وصاحوا: كافرة مرتدة اقتلوها هجوووووووم... في حادثة تشبه إلى حد كبير حادثة سحل العالمة والفيلسوفة السكندرية هيباتيا قبل قرابة ألفي عام. صاح المتطرفون هجوووم.. وهاج الناس وماجوا، أغلبهم لم يقرأ المقال أصلا وبعضهم قرأ أجزاء مقتطعة منه، اُقتطعت بعناية لتُدين الكاتبة وليقول الناس حصة آل الشيخ تنفي العدة وقد كفرت، ويجب أن يُقام عليها حد الردة.

أُوقفت الكاتبة وحُولت إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وحُذف المقال من موقع الجريدة.

دشنوا  هاشتاج #حصة_آل_الشيخ_تتطاول_على_الشرع شاركتُ فيه وتلقيتُ سيلا لا ينقطع من الشتائم والدعوات، حتى أن حوالي عشرة أشخاص قالوا لي: "سعاد لا جعل الله لك من اسمك نصيب"، ودعوا عليّ بعذاب القبر وأن أشوى في نار جهنم وأن أتمنى الموت ولا أجده.

الحقيقة أصابني بعض الإحباط وقد كنت متفائلة وظننت أننا تغيّرنا. أعلم أن ضعف التعليم وغسيل الدماغ أوجد لنا عينات لا تقرأ وإن قرأت لا تفهم ولا تستطيع تكوين رأي مستقل وملكة الحكم المنطقي عندها معتلة، غوغاء تخلّفوا عن قطار الحضارة، فلازالوا يجدون في العنف والدماء الرد الأمثل على الكلام والفكر، وعيهم منخفض يتلاعب به القاصي والداني.

أعلم بتدني العقل ولكني لم أعلم بوجود كل هذا الحقد وسوء الخلق. سباب بأبشع الألفاظ ذُكرت فيه المؤخرات ووصفت فيه الكاتبة بالعجوز الشمطاء وعيّرها أحدهم بأنها تقرأ لأرسطو. تعجبت في البداية من أين جاءت كل هذه البذاءة وسوء الخلق؟! ولكن حين تذكرت التعليقات على مقاطع اليوتيوب زال العجب. تعليقات قذرة عنصرية تجدها على كل مقاطع اليوتيوب العربية حتى ولو كان المقطع عن الطيور المهاجرة أو عن دورة حياة البطريق.