سينما ريفولي .. لكَ لهُ لي
كتبنا سابقا عن مأساة حديقة الميريلاند ولم يحدث تجاوب على الإطلاق، وساووا غرناطة بالأرض، ولم يحرك أحد ساكنا، والآن نحن بصدد الحديث عن سينما "ريفولي" في الوقت الذي ترتدي فيه منطقة وسط البلد حُلة جديدة، تأكيدا على تاريخ سابق لإدراك بناء مستقبل حقيقي.
هل من المعقول كلما استأجر أحد مكانا تاريخيا أو حتى اشتراه أن يتصرف فيه كما يحلو له ويتحكم في تاريخنا استنادا إلى أن كل شيء قانوني!!
في السابق كان أمراء وأميرات الأسرة العلوية يتبرعون بقصورهم الثمينة للدولة المصرية؛ لتكون متاحف ومزارات للشعب والسائحين؛ إيمانا منهم بأنها جزء من تاريخ مصر دون الحصول على مقابل لهم أو لورثتهم، وهم المتهمون ظلما بولائهم للباب العالي، صحيح اللي عنده أصل أحسن من اللي معندوش لكي تتضافر المصالح بهذا الشكل المهين متناسيين كل ذو قيمة وتاريخ.
سينما ريفولي تعد من أعرق السينمات بوسط القاهرة، التهمتها النيران في حريق القاهرة عام 1952، ذهب إليها كبار رجال الدولة لحضور حفلات العندليب وأم كلثوم وفريد الأطرش، ومشاهدة أفلام الأبيض والأسود أيضا وأفلام الألوان.
في بهو السينما توجد ست صور كبيرة الحجم لعمالقة زمن الفن الجميل، رشدي أباظة وعبد الفتاح القصري وفريد شوقي وأنور وجدي وإسماعيل ياسين وزينات صدقي، وكان وحش الشاشة فريد شوقي قد استأجر السينما فترة في عام 1986.
كان داخل سينما ريفولي ينطلق صوت المذيع كل عام في "عيد الربيع"، ليعلن عن موعد بدء الحفل الذي يحييه الموسيقار الكبير فريد الأطرش بأغانيه التي كان يكتبها الشاعر مأمون الشناوي خصيصا لهذه المناسبة منها "آدي الربيع" و" أول همسة"، لكن في ربيع 1971 أصبح العندليب عبد الحليم حافظ يحيي الحفل في سينما ريفولي بدلاً من فريد الأطرش.
من الأحداث الفنية التي شهدتها دار سينما ريفولي حضور الزعيم جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر حفل للست أم كلثوم في أكتوبر عام 1955، وتغنت كوكب الشرق وقتها بعدد من الأغنيات منها "قصة حبي" للشاعر أحمد رامي وألحان رياض السنباطي .تعرّض فيها أيضا عبد الحليم حافظ لحالة إغماء على مسرحها بعد غنائه لرائعة "موعود " كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي، وخرج من السينما إلى لندن للعلاج بعد إجهاد الجمهور له بطلبهم تكرار كوبليهات الأغنية في الحفل الذي أقيم عام 1971. أيضا من الأحداث الفنية التي حدثت في سينما ريفولي تم رفع فيلم" عرق البلح " من السينما بعد يوم واحد فقط من عرضه.
أليس من المعيب أن ندمر آثار صمدت واستقطبت العديد من رواد السينما ومحبيها لوقت طويل من الزمن من أجل بناء مولات وناطحات سحاب!!
اليوم تواجه أعرق صالات السينما خطر البيع لتعلو مكانها الأبراج السكنية والمراكز التجارية بعد الخسائر المادية الفادحة التي تكبدها أصحاب الصالات السينمائية طوال السنوات الأربع الماضية.
قام بعض الغوغائيين بالزحف على سينما ريفولي واحتلوها وأغلقوا البوابة الرئيسية لها بألواح خشبية كبيرة، وأخذوا جزءا من المبنى، يطل على شارع جانبي وأسسوا محلا لبيع الملابس المستعملة فيه.. معقول!!
أي جهة مسؤولة تحديدا عما يحدث؟! وهل سيدوم الصمت طويلاً أمام تلك التجاوزات والبلطجة على قيمنا التاريخية!! وأين الإعلام من هذه الانتهاكات أم أنه مشغول بالجن والعفاريت والمتحولين جنسيا وسيدة المطار وجلسات الزار !! بحق أنه إعلام العار .
قيمنا التاريخية يا سادة مثل الدواء يجب أن تبقى بعيدا عن متناول الأطفال .