التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 11:17 م , بتوقيت القاهرة

الصومال.. الدولة العسكرية التي انتهت إلى "خراب"

بعد خروج الاحتلال البريطاني من الصومال وإعلانه دولة مستقلة، في 26 يونيو 1960، تعرض لكثير من الحروب الداخلية والخارجية، حتى انته به الوضع كإحدى أكثر الدول فاشلا في العالم.



الحكم العسكري


في العام 1956، قام عبد الله عيسى محمد، رئيس وزراء الصومال، تحت الاحتلال البريطاني في الفترة ما بين سنة 1956 وحتى عام 1960، بتشكيل أول حكومة صومالية وطنية، وأسندت رياسة الجمعية الوطنية لبشير إسماعيل، حيث اختار، عدن عبد الله عثمان دار، أول رئيسا للصومال، ومعه عبد الرشيد علي شارماركي كأول رئيس للوزراء، والذي أصبح رئيسا فيما بعد في الفترة بين سنة 1967 وحتى عام 1969.


وفي العشرين من يوليو عام 1961 أقيم اقتراع شعبي حول الدستور الصومالي الجديد، والذي وافق عليه الشعب بالإجماع، وكانت أول مسودة لهذا الدستور قد وضعت عام 1960.



تعرض الصومال لانقلاب عسكري أواخر 1969، إثر اغتيال الرئيس عبد الرشيد شارماركي، واستولت على السلطة حكومة عسكرية بقيادة اللواء صلاد جبيري خيديي، والفريق محمد سياد بري، وقائد الشرطة جامع قورشيل.



بعد ذلك، تولى بري رئاسة البلاد، في حين أصبح قورشيل رئيسا للوزراء، وعمل على تشكيل الجيش الثوري، وأطلق حملات ناجحة لمكافحة الأمية بالبلاد، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار الاضطرابات والصراعات على السلطة في عصر الرئيس بري، ما دفعه لاغتيال 3 من وزرائه دفعة واحدة، كان على رأسهم اللواء جبيري نفسه.


في يوليو من العام 1976، تم إنشاء الحزب الإشتراكي الثوري، والذي ظل مسيطرا على مقاليد الحكم منذ نشأته، وحتى سقوط الحكومة العسكرية في الفترة ما بين ديسمبر عام 1990 ويناير عام 1991، حيث أزيح الحزب عن الحكم بالقوة من جانب الجبهة الديموقراطية لإنقاذ الصومال، والمؤتمر الصومالي الموحد، والحركة الوطنية الصومالية، والحركة الوطنية الصومالية، إضافة لأحزاب المعارضة المناهضة للعنف مثل الحركة الديموقراطية الصومالية والتحالف الديموقراطي الصومالي والمجموعة البيانية الصومالية.


غزو إثيوبيا


لم تفلح الأساليب الدبلوماسية التي تبعتها الصومال في حل القضايا العالقة مع إثيوبيا وكينيا، وكان الصومال يرى أن الاستعمار قد مزقه ومنح أجزاء منه لدول أخرى دون وجه حق، إضافة إلى منحه حق تقرير المصير للمجموعات العرقية الصومالية القاطنة في تلك المناطق، فشن الصومال خلال عامي 1977-1978 1حرب "أوجادين"، والتي سعت من خلالها لتوحيد الأراضي الصومالية التي ترى فيها حق لها.



كان الصومال يستعد فعليا للحرب في الوقت الذي جرب فيه الحل الدبلوماسي، بإنشاء الجبهة الوطنية لتحرير "أوجادين"، والتي أطلق عليها فيما بعد جبهة تحرير الصومال الغربي، وسعت للتحرك نحو استرجاع إقليم أوادين بالقوة.


لم يتوقف الاتحاد السوفيتي متفرجا أمام تقدم القوات الصومالية، وحصارها مدينة هرار، فأرسل السوفييت 18 ألف جندي كوبي، وألفي جندي من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، إضافة إلى 1500 من الخبراء العسكريين السوفييت تدعمهم المدرعات والمركبات والطائرات السوفيتية.


الجيش الصومالي لم يستطيع الصمود أمام القوات الشيوعية، فانسحب وطلب المساعدة من الولايات المتحدة، ورغم إبداء نظام جيمي كارتر استعداده لمساعدة الصومال خلال الحرب في بادئ الأمر إلا أن تدخل السوفييت السريع لإنقاذ إثيوبيا حال دون ذلك، خشية توتر العلاقات أكثر بين القوتين العظيمتين.


الحرب الأهلية


في العام 1978 ازداد وضع الحكومة الصومالية سوءا، إثر التململ الشعبي في الصومال من الحكم العسكري دون تحقيق انجازات على الأرض، واقتراب نهاية الحرب الباردة ساعد على إضعاف النظام أكثر، نتيجة لتضاؤل الأهمية الاستراتيجية للصومال، الأمر الذي انتهى بالحكومة لانتهاج طرق أكثر شمولية، كما زادت حركات المقاومة المسلحة، والتي كانت تدعمها إثيوبيا ضد النظام الحاكم، مما أدى إلى نشوب الحرب الأهلية الصومالية.



كان العام 1990 بداية النهاية بالنسبة للصومال، حيث صدر قانون يحظر على الصوماليين من ساكني العاصمة مقديشو الوجود في جماعات أكثر من ثلاثة أو أربعة أفراد، وإلا اعتبر تجمهرا يعاقب عليه القانون، كما ضربت جميع أنحاء الدولة أزمة شديدة تمثلت في نقص حاد للوقود أدت إلى تعطل وسائل المواصلات العامة، كما أدت أزمة التضخم التي عانت منها البلاد إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار وعدم قدرة المواطنين على الحصول على السلع الأساسية.


شهد عام 1991 تغيرات جذرية في الحياة السياسية بالصومال، حيث تمكنت قوات مؤلفة من أفراد العشائر الشمالية والجنوبية مسلحين ومدعومين من إثيوبيا من خلع الرئيس الصومالي محمد سياد بري، وأعلن الجزء الشمالي من الصومال (الصومال البريطاني قديما) انفصاله بصفة أحادية الجانب عن دولة الصومال تحت اسم جمهورية أرض الصومال في مايو من العام نفسه.


تدمير مقديشو


تم اختيار "علي مهدي محمد" في يناير 1991 عن طريق المجموعة الصومالية كرئيس مؤقت للبلاد، إلا أن ذلك لاقى اعتراضا شديدا منذ البداية من جانب كل من الفريق محمد فرح عيديد زعيم الكونجرس الصومالي المتحد وعبد الرشيد تور زعيم الحركة الوطنية الصومالية وكول جيس زعيم الحركة القومية الصومالية، مما أحدث انقساما على الساحة السياسية الصومالية، وأدى هذا التناحر إلى إسقاط نظام محمد سياد بري الحاكم والذي استمر في إعلان نفسه الحاكم الشرعي الوحيد للصومال حتى منتصف عام 1992، مما أدى إلى تصعيد أعمال العنف، الأمر الذي أدى إلى تدمير العاصمة مقديشو.


أدت الحرب الأهلية الصومالية إلى حدوث مجاعة أودت بحياة قرابة 300,000 صومالي مما دفع مجلس الأمن لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار عام 1992 وإرسال قوات حفظ السلام الدولية الأولى بالصومال لإنقاذ الوضع الإنساني للبلاد.



وردا على تصاعد حدة العنف وتدهور الوضع الإنساني قامت الولايات المتحدة بتزعم تحالف عسكري دولي بغرض إحلال الأمن في الجنوب الصومالي والارتقاء بالوضع الإنساني هناك وتسهيل وصول المعونات الإنسانية من الأمم المتحدة والدول المانحة.


إعادة الأمل


ودخلت قوات التحالف والتي عرفت باسم قوات الفرقة الموحدة، في ديسمبر من عام 1992 من خلال عملية "إعادة الأمل" وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 794، وتمكنت القوات الدولية من إعادة النظام في جنوب الصومال والتخفيف من أثار المجاعة التي عانت منها البلاد، حتى انسحبت معظم القوات الأمريكية من البلاد بحلول مايو من عام 1993. واستبدلت قوات الفرقة الموحدة بقوات حفظ السلام الدولية الثانية بالصومال  في الرابع من مايو وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 837 والصادر في السادس والعشرين من مارس من نفس العام.



رأى زعيم الكونغرس الصومالي، الفريق محمد فرح عيديد، في قوات حفظ السلام الدولية تهديدا له ولسلطاته حيث أصدر الأوامر لميليشياته المسلحة بمهاجمة مواقع القوات الباكستانية العاملة بمقديشيو مما أسفر عن إصابة نحو 80 فردا متعددي الجنسيات من قوات حفظ السلام، واستمر القتال حتى سقط 19 جنديا أمريكيا وجنديين باكستانيين، وآخر ماليزي صرعى من جانب قوات حفظ السلام، إضافة إلى قرابة 1000 فرد من الميليشيات الصومالية.


بعد ذلك شنت الأمم المتحدة عملية "الدرع الموحد" بقوات مكونة من عناصر أمريكية ومصرية وباكستانية في الثالث من مارس لعام 1995، إلا أن هذه القوات قد تكبدت خسائر بشرية كبيرة دون إقرار حكومة مدنية في الصومال حتى أعلن مقتل عيديد في مقديشيو في يونيو من عام 1996.



المحاكم الإسلامية


عندما أعلنت الحكومة الصومالية الفيدرالية الانتقالية في نيروبي عام 2004 كان دخولها لمقديشو أمرا صعبا، لذلك لجأت أن تؤسس مقرها في بيدوا في بدايات عام 2006، حيث تأسس اتحاد إعادة السلام ومكافحة الإرهاب من أمراء الحرب العلمانيين في مقديشو لمجابهة القوة المتنامية لاتحاد المحاكم الإسلامية، التي كانت تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية وتم تمويل هذه الحركة من جهاز مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية مما أدي لتنامى الصراع في العاصمة الممزقة أصلا. وبحلول يوليو من العام 2006 استطاعت المحاكم الإسلامية السيطرة على مقديشو وطرد اتحاد إعادة السلام منها كما قضوا على أمراء الحروب.


أغرى هذا الوضع إثيوبيا بالتدخل في الصومال، والتي كانت تدعم العلمانيين الصوماليين، في المقابل حصلت المحاكم الإسلامية على دعم ارتيري، فأعلنت الجهاد ضد أثيوبيا التي سيطرت على مدينة جيدو وتركزت قواتها حول بيدوا بدعم وتكليف أمريكي واضح لأثيوبيا واندلع القتال بين المحاكم الإسلامية من جهة والحكومة الفيدرالية والأثيوبيين من جهة أخرى ولكن المحاكم عانت من سلسلة من الهزائم في العديد من المعارك ثم تراجعت إلى مقديشو وهزمت نهائيا في معركة جوهر في السابع والعشرين من ديسمبر 2006 واستسلم كبار قادتها وبعد معركة جيليب في 31 ديسمبر 2006.