التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 07:02 م , بتوقيت القاهرة

لماذا طلب الكليم من المصطفى تخفيف الصلاة على المسلمين؟

بعد أن أنهى النبي، صلى الله عليه وسلم، مقابلته مع الله، سبحانه وتعالى، ليلة المعراج، مر على الخليل إبراهيم فلم يسأله شيئا، ثم مر على الكليم موسى في السماء السادسة، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإنى والله جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فرجعت فوضع عني عشرا.


وظل سيدنا موسى يردده ليشفع لدى ربه للتخفيف، وربه يخفف له عشرا عشرا، وفي رواية خمسا خمسا، إلى أن أصبحت في النهاية خمس صلوات، ويطلب سيدنا موسى من المصطفى أن يسأل ربه تخفيف الخمس صلوات، ولحيائه، صلى الله عليه وسلم، قال لموسى: (سألت ربي حتى استحييت، ولكني أرضى وأسلم)، حسبما أورد البخاري فى صحيحه.


حكمة طلب موسى التخفيف:


طلب نبي الله موسى تخفيف الصلاة على المسلمين لم يمر على العلماء مرور الكرام، فحاولوا اجتهادا كشف أسبابه ودوافعها، وهذه أقوال بعضهم:


1- رأي المحدثين، قاله ابن أبي جمرة في شرح البخاري: والحكمة في كون الخليل إبراهيم لم يكلم رسول الله في طلب التخفيف أن مقام الخلة إنما هو الرضا والتسليم، والكلام في هذا الشأن ينافي ذلك المقام، وموسى هو الكليم، والكليم أعطى الإدلال والانبساط.


2- رأي كتاب السيرة، قاله السهيلي في الروض الأنف: حين قضى الله إلى موسى الأمر بجانب الغربي، ورأى صفات أمة محمد في الألواح، وجعل يقول: إنى أجد في الألواح أمة صفتهم كذا، اللهم اجعلهم أمتي، فيقال له: تلك أمة أحمد - وهو حديث مشهور – قال: فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بأمرهم كما يعتني بقومه، لقوله: اللهم اجعلني منهم.


3- رأي الصوفية، عرضه العزمي في السيرة النبوية: الحقيقة أن سيدنا موسى كان له طلب يتمنى أن يحققه ربه، ولكن الله رده إلى المستقبل البعيد.. فهو الوحيد من الأنبياء الذي طلب رؤية ربه، وكان في شدة الأدب عند طلبه، لأنه يعلم أنه لا يستطيع بنفسه أن يرى ربه، فقال: (رب أرني أنظر إليك)، فأنت الذي تجعلني أراك، والجواب: (قال لن تراني) ولم يقل لموسى لن أُرى، فلم ينف الرؤية عن غيره، وأمهله فى طلبه هذا حتى يتحقق شرط معين: (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) (الأعراف: 143).


يضيف العزمي: الشرط كان استقرار الجبل، أي: لا تتحرك ذراته، وهذا لا يكون إلا عندما يكون الزمن يساوى صفرا، وهذا لم يتحقق إلا ليلة الإسراء والمعراج، فعلم موسى أن وعد الله سيتحقق فى هذه الليلة، حيث يتجلى له الحق فى مظهر سيدنا محمد، فظل موسى ينتظر تحقيق وعد الله له، وفي ليلة الإسراء رأى موسى رسول الله عندما كان يصلى فى قبره، ورآه مع الأنبياء والمرسلين فى بيت المقدس، ورآه في السماء السادسة، وتملى موسى بمشاهدته والتمتع به، ولكن صورة حبيب الحبيب والجمال الذي ألبسه الحق لحبيبه ومصطفاه انبهر به موسى، وسأل ما سأل وتاه عن وعيه، وتمتع بالجمال الربانى في الصورة المحمدية، وسكر موسى من رؤية الجمال الذاتي، ولكنه أفاق عند سماع: (أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى).