التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 12:33 م , بتوقيت القاهرة

القضاء والقسمة العادلة في مصر !

تلك القسمة التي قضت بأن تكون الوظائف للأغنياء والموت للفقراء، جاش في ذهني هذا الخاطر عندما قرأت تدوينة على وسائط التواصل الاجتماعي،  تعليقا على تصريح وزير العدل، قيل فيها إن ابن الزبال لا يصح أن يكون قاضيا، والذي أشعل ثورة غضب عارمة لدى قطاعات واسعة من المصريين، حول حقوق الإنسان المصري ومعنى المواطنة، في وطن تتقدم فيه معايير العرف والعادة وتوجهات بعض المؤسسات وقراراتها، على نصوص الدستور التي كنا نظن أنها الأعلى صوتا في بلادنا.


نظريا تطرح الدساتير في أبواب الحقوق والحريات، حقوقا متكافئة للمواطنين وتحظر التمييز بينهم على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو الوضع الاجتماعي، حيث انصرفت بعض مواد الدستور للحديث عن العدالة الاجتماعية، التي لا تمر بالطبع عبر التمييز " يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذى ينظمه القانون ( مادة 8) تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز (مادة 9 )الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون ( مادة 14 ) تكشف النصوص الدستورية السابقة عن حالة يبدو أنها رومانسية تصور معها من كتب هذا الدستور، وهو وثيقة ممتازة بالمناسبة أن كل الجهات ستلتزم بهذا العقد الاجتماعي وتحترمه، خصوصا بعد ما جرى في مصر عبر تلك السنوات الأربعة من تطورات دراماتيكية.


انطلقت مع تلك الأزمة التي دعا الكثيرون فيها إلى التأكيد على احترام الدستور والمواطنة، وعدم تقييد حق أي مواطن في الحصول على أي وظيفة، إلا مستندا إلى كفاءته وخلوه من خوارم المروءة والشرف وحسب، بينما تحدث البعض عن أن من نشأ في بيئة قضائية أقرب إلى معاني العدل والانضباط والحرص على صورته وسلامة عقله ووجدانه، من أمراض الاكتئاب التي تحيط بالفقراء دون الأغنياء، وأن الغني متصالح مع نفسه بينما الفقير حاقد على العالم من حوله، يفترسه الاكتئاب، وبالتالي لن يكون أمينا على تلك المهمة الشامخة المقدسة.


بالطبع أنا لن أرد على من هجا الفقراء واعتبرهم أهلا لكل نقيصة، بينما خص الأغنياء بكل فضيلة بأن الله تبارك وتعالى خص المترفين في كتابه بأنهم مادة الشر والفساد حيث قال: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا"الإسراء 16، ولن أرد بسجل جرائم ارتكبها أبناء أسر قضائية غنية تباينت  بين كل الوان الجرائم، فأنا ممن يظنون أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، وأن الدم المصري واحد وأن ثورة يوليو أنهت فكرة أصحاب الدماء الزرقاء الأجدر بالشرف والمكانة من غيرهم.


بطبيعة الحال منصب القاضي جليل يجب إحاطته بضمانات تجعل صاحبه رابط الجأش سليم الوجدان والعقل والحواس متزنا، وقد أسعفنا العلم باختبارات السلامة النفسية التي يجب أن تخضع لأطر منضبطة وعادلة، وتكون ألية انتقاء في كل الوظائف العامة كل بحسب أهميته، يتقدم لها الجميع ومن تخطى الاختبارات فأهلا به عضوا فاعلا قادرا على أداء وظيفته العامة، أما أن يظن البعض في إطار الفقه المملوكي، الذى جعل بعض مؤسسات الدولة أندية خاصة ببعض الأسر، يتزاوجون من بعضهم ويقدمون بعضهم، فتصبح تلك المؤسسات حكرا على أسر بعينها فهذا مما لا يستقيم به بناء دولة.


ما معنى أن يصرح رئيس نادى القضاة في أنه "سيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تكون قوة في مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها"، الغريب أن من يتفوهون بهذه التصريحات، تعلموا بعدما أتاحت لهم ثورة يوليو ذلك، وهي من فتح طريق الترقي الاجتماعي أمام أبنائهم، ليعيدوا إنتاج ما ثاروا عليه من قبل فيحولوا المؤسسات إلى إقطاعيات مملوكية.


أنا لا أفهم حتى الآن موقف الرئيس مما يجرى حتى لو أقدم على إقالة وزير العدل،  وكنت أتمنى أن يخرج بيان واضح من رئاسة الجمهورية  والوزراء، يؤكد على مواد الدستور واحترام الحقوق والحريات وشروط الوظيفة العامة، لكن الاقتصار على إقالة الوزير إجراء تجميلي، لا يغير واقعا لن يرضى المصريون أبدا إلا بتغييره قرارا وثقافة .