النقاب الكندي
نعم نقاب وكندي. ففي هذا البلد يمكنك أن تصادف هنا وهناك امرأة ترتدي النقاب. صحيح أنها حالات نادرة ، لكنه أمر عادي لم أجد طوال إقامتي الإجبارية من يعترض عليه أو حتى يبدي امتعاضاً علنياً. إذا حدث هذا الاستثناء فهو مخالف للقانون ومن حق السيدة المنقبة أن تستدعي الشرطة و"يبقى فيها سين وجيم ونيابة وقضاء".
في هذا البلد ليس هناك أحد مشغول بماذا تلبس، لكن الناس في أغلبها تنشغل بماذا تفعل؟. لذلك كندا كرنفال ضخم لكل أنواع الأزياء من كل أنحاء العالم. فهي تضم مواطنين قادمين من حوالي 250 دولة وعدد اللغات التي يتكلمها الناس تصل إلى حوالي 122 لغة. اللغة الرسمية ليست واحدة ولكنّها اثنان هي الإنجليزية والفرنسية.
رغم وقوع اقتحام مسلح من لصوص يرتدين النقاب، ولا يعرف أحد إذا كانوا رجالاً أو نساءً، إلا أن المنقبات مثلهم مثل باقي الكنديين، لا أحد يسألهن لماذا ترتدين ذلك؟. الحالات الوحيدة التي يكون مطلوباً من المرأة أن تخلع النقاب، عندما يكون ذلك ضرورياً في مؤسسات الدولة، مثل الحصول على رخصة قيادة سيارة مثلاً، كما أن الأماكن التي تقدم خدمة عامة للمواطنين لم أجد فيها أية منقبة، وهذا أمر منطقي، فمن حق المواطن أن يرى وجه من يتولى مثلاً الاهتمام به في المستشفى أو المدرسة غيرها.
رغم هذا الاحترام الشديد للحرية الفردية بشكل عام وحرية اختيار الملابس، فهناك امرأة مسلمة منقبة لم يعجبها ذلك.. لماذا؟
لأنها رأت أنه لا يحق للقاضي أثناء مراسم الحصول على الجنسية الكندية أن يجبرها على خلع نقابها، ودارت معركة قانونية طاحنة، شغلت الرأي العام الكندي. دخل رئيس الوزراء ستيفن هاربر وهو رئيس حزب المحافظين الحاكم وشن هجوماً ضد النقاب على حسابه على تويتر "نحن لا نسمح للأشخاص بتغطية وجوههم خلال مراسم منح الجنسية". ودخل أيضاً على الخط رئيس الحزب الليبرالي المعارض جوستان ترودو، وقال: "أحد أسباب نجاح كندا هو كونها تحمي حقوق الأقليات، وقد تمكنا من بناء مجتمع يعترف باحترام الحقوق لكل المواطنين".
المرأة المسلمة الباكستانية اسمها "زونيرا إسحاق" رفعت قضية علي الحكومة الفيدرالية، معتبرة أن منعها من ارتداء النقاب ينتهك ميثاق الحقوق الكندي الذي في رأيها يحمي المعتقدات الدينية في الملابس. وقد صرح محاميها نسيم متهواني وقتها بأن حظر النقاب في مراسم منح الجنسية، فرضه زير الهجرة السابق جيسون كيني؛ طبقاً لفهمه الخاص للقيم الكندية، فقد أكد أنه لا يتناسب مع المواطنين الكنديين. وهو ما اعتبره المحامي إجبار النساء المسلمات على التخلي، ولو لفترة وجيزة عن الالتزام الديني.
من المهم أن أقول لك إن هذه المعركة الطاحنة كانت حول خلع النقاب أثناء تأدية القسم الكندي، وهي فترة لا تتجاوز دقائق معدودة. ومع ذلك استمرت المعركة. فهناك من قال إن ما حدث مع المرأة المسلمة لا يستند إلى قانون، ولكن إلى قرار من وزير الهجرة السابق جون كيني الذي قال تعليقاً على ذلك: " التقاليد الثقافية تعكس وجهة نظر معينة حول النساء لا نقبل بها في كندا. نريد أن تكون المرأة عضوا كاملا وأن تتمتع بالمساواة في المجتمع الكندي، وبالتأكيد عندما تؤدي اليمين للحصول علي الجنسية، فإن هذا هو المكان المناسب للبدء في ذلك".
في الخلفية كانت هناك مهاترات، منها أن هذه هي كندا، ومن لا يعجبه هذه القواعد، فليعد إلى بلده الأصلي. وفي الطرف الآخر هناك من كان يصرخ بأن هذا انتهاك لحقوق مسلمين كنديين، واعتداء على المعتقد الديني الإسلامي. لكن الحقيقة أن المهاترات على سخونتها، لم تصل أبداً إلى السب والقذف والتحريض وغيرها وغيرها مما نعرفه.
ماذا فعلت المحكمة العليا؟
حسمت المعركة، وقالت إن ضابطة شرطة ترى وحدها وجه السيدة المنقبة لتتأكد من شخصيتها. لكن في باقي مراسم الحصول على الجنسية فمن حقها أن ترتدي هي أو أي مواطن كندي ما يشاء من ملابس تتناسب مع معتقداته.
هل هي معركة تافهة؟
قد يرى البعض، وأنا منهم، أن هذه تفاهات ينشغل بها كثير من المسلمين، ولكن ومع ذلك فهذه التفاهات، حتى لو رأيناها كذلك،في النهاية حقوق من وجهة نظر أصحابها.
هل كانت معركة ضد الإسلام كما روجت بعض المنظمات الإسلامية هنا في كندا؟
بالقطع لا. فالمحكمة العليا أيضاً حكمت بمنع افتتاح اجتماعات المجلس البلدي بالصلاة الكاثوليكية. واعتبرته تعديا على حرية المعتقدات. وقالت إن الدولة يجب أن تظل محايدة ولا تعيق أي معتقد معين. هذا الحكم جاء بعد حرب ضارية قانونية استمرت ثماني سنوات، بدأت من شكوي تقدم بها الملحد، "الين سيمونيو"، ومنظمة علمانية ضد عمدة إحدى المدن.
من المهم أن أذكرك بأن كندا أغلبيتها كاثوليك، ومن المهم أن أذكرك أن من رفع القضية ملحد لا يؤمن بالأديان أساساً ومع ذلك فمن حقه أن يلجأ للقضاء.
لماذا أحكي لك كل ذلك؟
لكي أقول لك إن كندا دولة علمانية، دولة مهمتها حماية والدفاع عن حقوق كل مواطنيها من كل الأديان والعقائد. دولة أغلبيتها مسيحية كاثوليكة، ولكنها ليست دولة مسيحية. دولة تحمي الحق في النقاب. مع ذلك فالكثير من المسلمين فيها يريدون أن يجعلوها دولة إسلامية. انهم يشبهون كثير من المسلمين في مصر، الذين انزعجوا وانتفضوا ضد حزب علماني جديد، يريد بناء دولة محترمة مثل كندا.