السيسي في موسكو وروسيا التي لا نعرفها
ذهب الرئيس السيسي إلى موسكو للمشاركة في احتفالات الذكرى السبعين لعيد النصر الروسي، روسيا استعرضت قوتها في العرض العسكري الذي أُقيم بالميدان الأحمر أمام الكرملين. بعض وسائل الإعلام المصرية أخذتها الحماسة كالعادة، وقامت برسم صورة غير دقيقة لروسيا ودورها على المسرح الدولي ، وتحدث البعض عن عودة روسيا كقوة عظمى، وعودة مرحلة القطبية الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة وأجواء الحرب الباردة بينهما في إطار سعي روسيا للحد من النفوذ الأمريكي في العالم. كما بدأ البعض يتحدث عن ضرورة أن تصبح روسيا الشريك الأساسي لمصر بدلا من الولايات المتحدة.
الحديث السابق به بعض المبالغات والمغالطات.
أولها: أن روسيا لا تريد عودة القطبية الثنائية مع الولايات المتحدة، بوتين شخصيًا يرى أن عهد القطبية الثنائية قد انتهى، ولكن انتهى أيضًا- وفقا له- عهد القطب الواحد الذي تُمثله الولايات المتحدة. ويؤمن بوتين أن النظام الدولي الحالي يقوم على تعدد الأقطاب، وأن روسيا هي أحد هذه الأقطاب مثلها مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وغيرها، وكل ما تريده روسيا هو أن يتعرف بها العالم كأحد القوى الكبرى في عالم التعدد القطبي.
ثانيا: لا يُمكن العودة لأجواء الحرب الباردة لأن تلك الحرب قامت بين معسكرين وأيديولوجيتين، أحدهما على الأقل غير موجود الآن، بعد انهيار الأيديولوجية الشيوعية التي كانت تواجه الليبرالية الرأسمالية، وانهيار حلف وارسو الذى كان يواجه حلف شمال الأطلنطي. روسيا اليوم تتبنى الرأسمالية كنموذج للنمو الاقتصادي وبوتين أعلن أنه لا عودة لأيام الاتحاد السوفيتي.
ثالثا: هناك مساحة كبيرة من التوافق بين روسيا والغرب، على سبيل المثال فإن موقف روسيا من البرنامج النووي الإيراني يقوم على رفض امتلاك إيران لقدرات عسكرية نووية مثله مثل الموقف الأمريكى والأوروبي، ولكنّها تؤيد مطلب إيران في تطوير برنامج نووي سلمي، وترفض استخدام العقوبات الاقتصادية أو العمل العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو أيضًا موقف الغرب الآن. هناك أيضًا تشابه فى المواقف وتعاون في عددٍ من القضايا منها الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحرب في أفغانستان، كما أنها شريك للغرب في مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين. والولايات المتحدة هي الشريك التجاري رقم 11 لروسيا، أما بالنسبة للاتحاد الأوروبى (حليف الولايات المتحدة) فيذهب إليه نصف تجارة روسيا ويأتي منه ثلاثة أرباع الاستثمارات الأجنبية فيها.
روسيا بالتأكيد قوة كبرى في عالم اليوم بحكم ما تملكه من ترسانة نووية ورثتها عن الاتحاد السوفيتي السابق، ولكن اقتصادها يعاني من عثرات بسبب عدم تنوعه واعتماده بشكل أساسي على صادرات البترول والغاز (روسيا ثاني أكبر منتج ومصدر للبترول فى العالم بعد السعودية)؛ لذا أدى انخفاض أسعار البترول إلى هزة كبيرة في اقتصادها.
روسيا تتبنى سياسة الاعتماد المتبادل مع الغرب، الغرب يعتمد على البترول الروسي وروسيا تعتمد على عائد تصدير هذه السلعة لبناء اقتصادها.
روسيا لن تدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة أو الغرب، ولكنّها تسعى للتعاون معهما، حتى مع وجود بعض التوترات. ولكن مساحة التوافق بينهما ما تزال أكبر كثيرًا من مساحة الاختلاف.
روسيا لا تسعى لأن تحل محل الولايات المتحدة على المسرح الدولي ولكن تسعى للتعايش معها في ظل عالم متعدد القطبية.
علينا أن نوثق علاقتنا مع روسيا فى المجالات المختلفة، ولكن علينا أيضًا أن نعي الحقائق السابقة، وأن نسعى للتعاون مع الجميع، وأن ندرك أن تقاربنا مع روسيا وتقاربها معنا لا يعني التضحية بالعلاقة مع قوى كبرى أخرى.
اقرأ أيضا