اتساع دوائر الغضب
يوما بعد آخر تتسع دائرة معارضي النظام القائم.. يوما بعد آخر تتصاعد درجات الغضب الشعبي من السلطة لأسباب مختلفة. فالرئيس الذي حظي بشعبية جارفة عقب الإطاحة بنظام الإخوان بدأت أسهمه في التراجع، ليس لأنه لم يف بما وعد فهو لم يعد بشيء أصلا في حملته الانتخابية وكان واضحا مع جمهوره منذ البداية قال إنه ليس لديه برنامج انتخابي، ولكن بسبب أن الفجوة بين ما كان متوقعا وبين الأداء الفعلي تتسع يوما بعد يوم.
تحليلا للمشهد الحالي، لو عدنا بالذاكرة إلى المرحلة التي أفرزت النظام القائم، لوجدنا أن حالة السيولة السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد بعد 25 يناير وتصاعد عنف الإخوان بعد 3 يوليو وما صحبه من تدهور اقتصادي، دفعت البعض إلى الاقتناع بأن الشخص المناسب لهذه الفترة يجب أن يأتي من المؤسسة العسكرية المعروفة بالضبط والربط، بل دفع المثقفين أنفسهم وفي مقدمتهم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل للتنظير بأن السيسي (مرشح الضرورة).
بعد مرور ما يقرب من 11 شهرا من تولي السيسي منصب رئيس الجمهورية، لا يزال العنف يضرب أعماق البلاد، ولا يزال الاقتصاد يواجه تعثرًا مخيفًا، ولا تزال الأحوال المعيشية للمواطن العادي تشهد صعوبات متزايدة.
الفئات الشعبية الأكثر فقرا التي شكّلت القاعدة الرئيسية لجماهيرية الرئيس هي التي تكابد المعاناة من تردي الأحوال أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وبناء عليه بدأت هذه القاعدة في الانفراط تدريجيًا من حول الرئيس حتى لو لم تنتقل إلى مربع المعارضة، لكنّها على الأقل انتقلت من موقع التأييد إلى موقع منعزل منكفئ مدفوعة بحالة من الغضب الذي لم يتبلور في مظهر احتجاجي بعد.
اقتصاديًا.. جاءت قرارات رفع الدعم، وزيادة تعريفة الكهرباء والغاز والمياه، وما تبعه من ارتفاع مضطرد ومستمر في الأسعار عامل ضغط إضافي على كاهل الفئات الأكثر فقرًا والأولى بالرعاية، فبدلا من أن تتبع الدولة سياسات تعوض هذه الفئات عن عقود من الحرمان، انتهجت سياسات ضاعفت من معاناتها، وضاعفت معها درجات الغضب.
سياسيًا.. لا تزال الأزمة التي تعيشها البلاد مستفحلة، فلا خارطة المستقبل اكتملت، ولا الأحزاب تجد لها موطئ قدم في المشهد الجديد الذي تحكمه اعتبارات الاستقطاب والتخوين والتضييق ومصادرة الفضاء العام وتراجع هامش الحريات بشكل دفع جماهير هذه الأحزاب وأعضائها - حتى وإن كانوا محدودي العدد والتأثير - إلى أن يصبحوا أكثر استعدادا لتصنيف أنفسهم كقوى معارضة وهم الذين كانوا يتنافسون بالأمس على التقرب من الرئيس ونظامه.
الشباب منذ اليوم الأول يشعرون بأن التغيير الذي ينشدونه لم يأت بعد، وعلى الرغم من حالة الإحباط التي أصابت قطاعات واسعة منهم، إلا أنهم لا يزالون متأهبين للانخراط في أي عمل احتجاجي يعيد لهم حلمهم الذي كادوا أن يلمسوه في 11 فبراير 2011.
تقديرات الدولة تشير إلى وجود 32.5 مليون نسمة من سكان البلاد فى شريحة الشباب في عام 2015 من أصل 86.6 مليون نسمة إجمالي عدد السكان، وبحسب تقديرات الدولة نفسها، لا تتجاوز مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية والأندية والعمل الجماعي والتطوعي مجتمعة نسبة الـ2.5%.
إحباط الشباب وعزوفهم عن المشاركة السياسية والمجتمعية يشير إلى تأهبهم للانضمام إلى أي عمل احتجاجي يعيدهم إلى صدارة المشهد بعيدا عن ثنائية الإخوان والدولة.
الفشل في إجراء الانتخابات البرلمانية حتى الآن يمثل فرصة ضائعة على الدولة لاحتواء ملايين المواطنين في العملية السياسية الذين كانوا سيشاركون ترشحًا وانتخابًا.
أمنيا.. لا تزال الأوضاع متدهورة رغم التحسن النسبي بحسب الدراسات والمؤشرات الأمنية على تراجع الحوادث الإرهابية والجرائم الجنائية في الفترة الأخيرة، إلا أن الأوضاع تظل أقل من مستوى توقعات المواطن العادي الذي بات يحلم بالعودة إلى نفس درجة الانضباط قبل 25 يناير بكل سوءاتها، الأمر الذي ضاعف الغضب تجاه السلطة الحالية بسبب إخفاقها في إحدى أهم حيثيات انتخابها وهي استعادة الاستقرار الأمني.
انتهاكات الجهاز الأمني لا تزال مستمرة، أخطاء تعيد للذاكرة المصريين الأداء الكريه لداخلية حبيب العادلي، فما بين موت في أقسام الشرطة نتيجة التعذيب، وبين حادث استاد الدفاع الجوي ومقتل شيماء الصباغ وأخطاء أخرى كثيرة أبرزها عودة أسلوب التعامل المهين مع المواطنين، ترتفع درجة الحنق على أداء الداخلية.
في حرب الدولة مع الإرهابيين، وسعت الأجهزة الأمنية دوائر اشتباهها فكانت النتيجة آلاف الشباب المحتجزين، لا هم أحيلوا إلى القضاء بتهم واضحة، ولا أفرج عنهم، ولو افترضنا أن لكل واحدا منهم 5 أقارب فقط و5 أصدقاء فقط، و5 معارف فقط فضلا عن المتعاطفين معهم، فالنتيجة ستكون حتما وجود آلاف الغاضبين من حبس هؤلاء الشباب بلا ذنب أو جريرة.
في سيناء.. لا تزال حالة الطوارئ مفروضة وحظر التجوال ساريا ولا يزال الإرهاب يضرب بعنف من الجانب الآخر ويقطف أرواح أبناء المصريين من كل مكان، فلا السلطة استطاعت أن تحقق الأمن لأهالي سيناء وتقضي على الإرهاب أو على الأقل تخفف من حدته، وكلها أمور تصب في دائرة الغضب من النظام.
من المؤشرات التي تؤكد اتساع دائرة المعارضة ظهور بعد الأصوات الإعلامية تجاهر بمعارضة السيسي وهي التي كانت من أشد مؤيدي ترشحه، فلا يمكن للإعلام أن يسبح ضد التيار حتى وإن استطاع فعل ذلك لفترة أو لفترات.
درجات الغضب تتزايد والاستمرار على هذا المنوال نتيجته الحتمية ستكون كارثية.. ولا سبيل سوى خلق الأمل وزيادة فرص المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.. لا سبيل سوى خلق البديل الوطني للسلطة القائمة، للحيلولة دون وصول فصائل الإسلام السياسي للسلطة مرة أخرى، لا سيما وأنها الأكثر جاهزية وتنظيما وسط حالة الفراغ الحزبي التي تعيشه مصر بفعل سلطوي منذ أكثر 40 عاما.. اللهم قد بلغت.