التوقيت الأحد، 22 ديسمبر 2024
التوقيت 11:12 م , بتوقيت القاهرة

لا حل لأزمة ليبيا سوى بتدخل مصري

لا حل للأزمة الليبية سوى بتدخل مصري، مهما كانت الظروف والتضحيات، إذ يساهم الوضع الليبي الحالي ليس في وجود إرهاب على أرض الدولة الليبية فحسب، بقدر ما يساهم في تأجيج الخراب الإرهابي في كل دول المنطقة.


ووفق دراسة كتبها الزميل أحمد الكناني، حول الحركات الإسلامية وتحولاتها الميدانية في دول الربيع العربي، فإن ليبيا لا تزال أسيرة الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، حيث يدور الصراع الآن فيها بين  معسكرين متناحرين فكريًا وجغرافيًا، الأول ليبرالي يتواجد في الشرق، في مدينة بنغازي، والثاني إسلامي يتواجد في الغرب، في العاصمة طرابلس، ولكل منهما حكومة وبرلمان، ويمثل المعسكر الأول حكومة يرأسها عبدالله الثني، ويمثل الثاني حكومة خليفة محمد الغوي، بعد إقالة عمر الحاسي، وبرلمان يمثله المؤتمر الوطني العام برئاسة نوري أبو سهمين. 


وتتمتع حكومة الشرق باعتراف عربي ودولي. وكلا البرلمانين غير شرعي، وصادر بحقه حكم بالحل من المحكمة الدستورية العليا. ويمتلك كل طرف من الطرفين قوة عسكرية، فالأول لديه قوات باسم الجيش الوطني الليبي، والثاني لديه قوات فجر ليبيا.


ويتنازع الطرفان الشرعية، مثلما يتنازعان مشروعين مختلفين حول هوية الدولة، بحسب طبيعة القوى المكونة لكل معسكر، إذ يتكون الأول من حزب التحالف الوطني الديمقراطي، بقيادة الدكتور محمود جبريل، إلى جانب قوى من الثوار، وعسكريين يقودهم اللواء خليفة حفتر، وهؤلاء يريدون دولة مدنية. وتغلّب على الطرف الثاني النزعة الإسلامية، حيث يتكون من "حزب العدالة والبناء"، التابع لجماعة الإخوان، إلى جانب الجماعة الليبية المقاتلة، والتيار السلفي، ويساندهم الصادق الغرياني مفتي ليبيا، وهؤلاء يريدون دولة إخوانية، وتوجد بين المعسكرين مكونات من النظام القديم منهم من انخرط مع القوى الجديدة، ومنهم من تخفى ضمن مسميات إسلامية، مثل "داعش" في مدينتي سرت ومصراته، وتتعدد التفسيرات حول علاقة "دواعش" ليبيا  بعناصر من نظام القذافي، وبالتنظيم الأم في سوريا والعراق.


ودخل الطرفان في صراعات دامية عجز كل منهما عن حسم الأمور لصالحه، خاصة وأن كل منهما يسيطر على مساحة من الأرض، ويتداخل بقواته ضمن جغرافية الآخر، مما نجم عنه فشل الحسم العسكري، فلم تستطع قوات الشرق السيطرة على بنغازي من أيدي قوات موالية لطرابلس، كما لم تستطع قوات الغرب السيطرة كلية عليه لوجود قوات موالية للشرق، مما ألجأهما في النهاية إلى التفاوض برعاية الأمم المتحدة، وجرت المفاوضات أولا في جنيف، دون حضور ممثلي طرابلس، ثم بحضورهم في مفاوضات المملكة المغربية، ولا تزال المفاوضات جارية، مما يمنح الصراع الليبي خصوصية سياسية وعسكرية.


وقد منحت التطورات التي شهدتها ليبيا منذ ثورة فبراير2011، التنظيمات الإسلامية المسلحة خصوصية على عدة مستويات:


(1) صعوبة الإقصاء أو الإلغاء: حيث أثبتت التطورات التي تلاحقت منذ الثورة أنه من المستحيل إقصاء هذه التنظيمات أو إلغائها، كما تتمتع بوجود سياسي وعسكري، فالتنظيمات العسكرية تمثل على الأرض امتدادا لتنظيمات سياسية، ذات مشروع أيديولوجي، ومن ذلك جماعة الإخوان، والجماعة الإسلامية المقاتلة.


(2) غموض الرؤية حول الدولة: حيث فرضت المتغيرات الليبية على التنظيمات الإسلامية أن تتوحد معا ضد حكومة الثني وبرلمان بنغازي، مما جمع بين قوى ومدارس أيديولوجية متنوعة، لم تتفق فيما بينها حول رؤية موحدة لمستقبل الدولة، فلكل منهم رؤيته، خاصة وأن القوى الإسلامية تعمل معا ضمن إطار حكومة وبرلمان طرابلس، وضمن قوات فجر ليبيا، وتضم الإخوان والسلفيين والجماعة المقاتلة، التي تمتلك معتقدات أقرب للقاعدة، وهو ما ينبئ عن احتمال بروز خلافات بينها في حالة انتفاء التهديدات القادمة من الشرق، بما قد يؤدى الى اقتتال مسلح.


(3) الاستقطاب الإقليمي: فقد أثرت تجربة جماعة الإخوان في مصر على التنظيمات الإسلامية في ليبيا، مما جرها إلى حالة الاستقطاب الإقليمي، وأوقعها في عداء غير مبرر مع مصر، إذ لم تخف هذه الجماعات تعاطفها ومساندتها للجماعة ضد الجيش في مصر، ومارست استفزازا هدد المواطنين والمصالح المصرية، في ظل رفض مصري تام لهذه التنظيمات، التي تعتبرها إرهابية، وتهدد الأمن القومي المصري، وسلامة الدولة الليبية.


ولعبت مصر وعدد من الدول الخليجية دورًا كبيرًا في حصار هذه التنظيمات، عربيًا ودوليًا، لحساب الاعتراف والمساندة لحكومة وبرلمان بنغازي، وطالبت عربيا وإفريقيا ودوليا برفع حظر الأسلحة عنها، باعتبارها تمثل الجيش الشرعي الليبي، كما رفضتُ مع هذه الدول الاعتراف بقرار المحكمة الدستورية العليا حل مجلس النواب.


(4) تهديد مفتوح: فالوضع الحالي في ليبيا يقلق الغرب، ودول الجوار كثيرًا، لأنه جعل من الأراض الليبية بؤرة ممتدة امام التنظيمات الجهادية الإسلامية في المغرب العربي وجنوب الصحراء، خاصة في ظل انتشار أعمال الإرهاب، وفي ظل تحول ليبيا إلى محطة تجميع وانطلاق نشطة أمام عصابات الهجرة غير الشرعية، في ظل غياب تام لسلطة الدولة.


(5) الخلاصة، إن الإسلاميين في العالم العربي يعانون من انقسام التنظيمات والرؤى، ما بين الساسة والعنف، ضمن فهم جهادي دموي، كشف عن حالة بشعة من التوحش، لم تعرفها الحركات الإسلامية على مدار تاريخها.


برهنت الأحداث أن جماعة الإخوان، هي البوصلة المهيمنة على توجيه تحركات باقي الجماعات، والمُدهش حقا هو انصياع هذه الحركات للجماعة، فيما ينبغي عليها التوقف لالتقاط الأنفاس، وإجراء مراجعات حقيقية، ولأن هذا لم يحدث فقد استمر تأزم العلاقة بين الحركات الإسلامية والدول، في صدام لا يزال قائما، ضمن إطار ثأري عنيف، ساهم في تأزيم علاقة الحركات الإسلامية مع قطاعات واسعة من المجتمع.