النظام السياسي الجديد.. ما الجديد؟
لأننا لم نفقد الذاكرة بعد ودعمت ذاكرتنا الجمعية وسائط التكنولوجيا الجديدة التي حفظت لنا كل كلمة وكل بيان سياسي وموقف يصدر عن أي طرف في بلادنا، فليس بالإمكان مهما تواصلت محاولات البعض في إرباك وعينا أن نذهل عن واقعنا ونُفكر مع من يفكرون بالتمني، ويتجاهلون كل مؤشرات الواقع.
بطبيعة الحال نحن متفائلون دوما إيمانا بقول النبى الكريم " تفاءلوا بالخير تجدوه"، لكنّه صلى الله عليه وسلم قال لنا: "اعقلها وتوكل"، وحتى لا نصبح متواكلين نترك للآخرين صنع مصائرنا، بعد شهرين من اليوم تقريبا تحل ذكرى بيان 3 يوليو 2013، الذي جسد هيبة الجيش المصري لدعم قرار الشعب بتنحية نظام محمد مرسي، الذي خرج على العقد الاجتماعي الذي أعطاه المصريون ثقتهم بناء عليه، بعدما أصدر الإعلان الدستوري في 22 نوفمبر 2012 ليكشف عن نواياه السلطوية، التي لم يتقبلها الشعب ولم ترض عنها قواته المسلحة، التي تحرّكت بدافع رئيسي هو الدفاع عن الجمهورية، نفس الدافع الذى جعلها تنحاز لموجة 25 يناير، التي كان من بين أسبابها قطع الطريق على فكرة توريث الحكم.
كان البيان صريحا في بنوده حين قال إن القوات المسلحة لا تستطيع أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب ، التي استدعت دورها الوطني وليس دورها السياسي، ونحن لن ندخل في جدل سياسي حول طبيعة الدور هل هو سياسي أم وطني، وإن كان كل موقف سياسي صحيح هو موقف وطني، لكن القوات المسلحة تقدّمت لأداء دور استدعيت له، وصفه البيان بأنه دور وطني، دعاها الشعب بموجبه للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته، ونحن نتساءل أين هي تلك الحماية لمطالب الثورة في كل ما صدر ويصدر عن النظام السياسي الجديد؟
الثورة حددت مطالب وأهداف واضحة (عيش- حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية - استقلال وطني)، لا زال النظام السياسي الجديد يعطي رسائل خاطئة في هذا الاتجاه، بإصراره على اختيار وزراء ووقيادات إدارية بنفس الطريقة والمنهج القديم، حتى أنه انتقل في بعض المقومات من اعتماد الكفاءة العقلية والذهنية والسياسية التي تعتمد الخيال والابتكار، إلى اعتماد الكفاءة العضلية التي تُمكن المسؤول من الحركة في أكثر من مكان، أو حتى الحركة في المكان في غالب الأحيان ما دام يتحرك، لا جديد في اختيار الوزراء أو المسؤولين حتى التغييرات الطارئة لا يفهم أحد دواعيها أو حيثياتها.
وفى ظل بنيان وزراي وإداري يأتي بهذه الطريقة، وفى غياب كامل لأي فلسفة حاكمة فلا مجال أن يتحدث أحد عن توفير العيش الكريم وفرص العمل أو تحريك الاقتصاد، أما الكرامة الإنسانية والحرية فقد نسختها أحاديث مغرضة، جعلت معركتنا الرئيسة مع الإرهاب تدهس في طريقها حرية وكرامة المواطنين، نقدر الدماء الذكية لجنود الشرطة في تلك المعركة الحقيقية، التي ليس من بين وسائلها كسب عداء الناس بإهدار كرامتهم وانتهاك آدميتهم في أقسام الشرطة، حتى لو كنا نتحدث عن متهمين لهم كافة الحقوق مهما كانت جريمتهم وإلا وداعا لدولة القانون.
ناشد بيان 3 يوليو المواطنين الالتزام بالتظاهر السلمي، قبل أن تطيح الحكومات التالية بحق التظاهر تماما وتعيد الأمور إلى ما قبل 25 يناير، ورغم تبرم الجميع حتى بعض مؤسسات الدولة من قانون تنظيم التظاهر، الذي أصبح اسمه الحقيقي قانون منع التظاهر، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، فقد أطاحت الحكومة بهذه المطالب، وظلت حريصة على إبقاء القانون بصورته المشوهة التي تُهدر كل مكاسب الموجة الأولى من ثورة يناير، وأصبحت رصاصات الشرطة حقا مباحا لا يُفرق بين من يحمل بندقية أو ألعابا نارية، أو حتى باقة ورد يضعها في ميدان التحرير في ذكرى الثورة.
تحدث بيان يوليو عن تمكين الشباب فمكنهم من الإحباط ومن دخول السجون والرغبة في الهجرة أو الانتحار، تحدث عن تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية، وتُمثل مختلف التوجهات ثم ترك الإعلام الرسمي وغير الرسمي يشيطن الفكرة بربطها بالمصالحة مع جماعة الإخوان، بالرغم من أن الخلاف ليس بين الشعب كله ونظامه السياسي والجماعة ، بل تشعب الخلاف واتسع بما يدعو للاهتمام بمصالحة وطنية حقيقية، ترص صفوف الدولة وتعبئ طاقات الأمة كلها في معركة البناء ومواجهة ما يحاك لنا، حتى الآن في كل ما جرى ويجري، النظام السياسي الجديد لم يقدم جديدا، وأخشى أن الزمن لم يعد جزءا من العلاج كما يتصور البعض.