مصر.. بيت الباشَوات!
تتقلب الحياة.. نعم.. فذلك من سُنن الله في كونه.. فالحياة يجب أن تأخذ دورتها بين تعاقب الليل والنهار ودَوَران الشمس والقمر. ها قد وجدتْ مصر العروبة نفسها في وضعٍ لا تُحسد عليه وظروفٍ اقتصادية صعبة لا يُستهان بها.. ولكن بالرغم من ذلك مَنْ يظن أنها مُفلسة فهو بالتأكيد مُخطئ!
تظل مصر غنيةً بتاريخها القديم والحديث، وبالمعادن المدفونة في الأرض وعلى سطحها من خلال شعبها القوي، الذي يستطيع أن يتأقلم مع أقسى الظروف كما نرى.. وبعقول أبنائها الفذّة وبحجم شعبها الكثيف الذي يمتهن كافة التخصصات ابتداءً من الغفير وحتى العالِم.. وفي هذه تكمُن قوة مصر!
فهل يُعقل أن بيت الباشَوات يخلو من الدُرر واللآلئ النفيسة والقطع الغالية الفاخرة وإنْ أفلس الباشا؟
وفوق كل ذلك، تظل مصر بيت الفن العربي بأشكاله وإن ضعُف عطاؤها لأسباب وأسباب، ولكن تظل هناك نخبٌ من مختلف التخصصات الفنيّة القادرة على العطاء بتميز إن أُعطوا الفرصة، من مخرجين وكتاب سيناريو وممثلين ومصورين ورسامين وغيرهم، كما أنها من جانب تضم دُوْرًا ومراكز تَعنى بالثقافات منذ أزل التاريخ ومؤرخين وعلماء فطاحل.. فتاريخ مصر القديم والحديث وأرضها هما بيت الباشَوات وهي بيت القَصيد!
ماذا لو اتحد قطاع الفن وصناعته ودُوْر الثقافات والتاريخ؟ ماذا لو اتحد الطرفان للاستفادة من التراث الإنساني والحضاري العريق الذي تتنفسه أرض الكنانة.. من أجل عيون مصر والمساهمة في إلباسها عقْد الذهب ..أو ليست أمهم؟!.
ففي كل زاوية من زوايا القاهرة بل ومصر، هناك قصة وأُهزوجة ورواية ابتداءً من أشجار الزمالك الذكية الواقفة بشموخ من مئات السنين، وشارع المعز بالله الفاطمي وفيه كل حبة تراب لها قصة عز وفخر وتسمعها تهمس في أذنك بحبٍ وأنين، ومنطقة الحسين العريقة، مرورا بميادينها وأبنيتها التي بُنيت إبّان الغُزاة والمحتلين باختلاف ثقافتهم، وهندسة مساجدها خلال العصور الإسلامية المختلفة ومسارحها، التي نشم عبق التاريخ فيها، والأزهر الشريف وتاريخه، ومتاحفها الغنية بالتراث العظيم لتاريخ مصر القديم والحديث.
وغير ذلك مما تزخر به أرض مصر تحت كامل سمائها.. فكل ذلك يُمثل كنزًا وطنيًا وإنسانيًا واقتصاديًا إن أُحسن استغلاله من خلال إنتاج أفلام وثائقية راقية لكل صنفٍ ومجال.. فسنجد أنفسنا أمام الآلاف من البرامج الثقافية الغنية الدسمة- فأرض مصر لا تنضب - ثم يتم توزيعها عالميًا، فمئات المحطات الثقافية والإخبارية ستتهافت على اقتنائها، وسيكون لقطاع الإنتاج الفني دَورًا لا يُستهان به في دعم الاقتصاد الوطني بأسلوب راقٍ، ويد ذهبية لتوثيق تاريخ مصر بما فيها من بشر وشجر ونهر وبحر وحجر.
تظل مصر بيت الباشَوات الذي لا يخلو من الخير وإن أفلس الباشا فبمقتنياته يرجع أكثر من باشا.. فهل شمرنا السواعد وعقدنا العزم كل في مجاله لخاطر وعزة أمنا الحبيبة مصر؟.