محمد التابعي.. عاشق الصحافة وأسمهان و"الاسم النظيف"
قل هو أمير الصحافة المصرية أو دنجوانها، قل هو صاحب الكلمة الحرة أو أستاذها، فعندما تتحدث عنه قل ما تشاء واترك الكلمات تتشكل وتتجمل لتحكي عنه، أي رجلا كان؟ لا يلزمك يوم عالمي لحرية الصحافة أو حتى ذكرى لميلاده أو رحيله لتكتب عن محمد التابعي.
ولد التابعي فى بورسعيد، لكن جذور عائلته ترجع إلى المكان نفسه الذي ولدت به أم كلثوم "مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية"، لكن ولد قبلها بعامين وتوفى بعدها بعام واحد.
تزوج التابعي من الفنانة زوزو حمدي، التى كان يحبها الشاعر إبراهيم ناجي، وقيل إنه كتب فيها رائعته "الأطلال"، وتأتي المفارقة بأن تتغنى أم كلثوم بها عام 1965، لتكمل مثلث أسطوريا، بعد وفاة صاحب القصيدة بنحو 13 عام.
يعتبر التابعي أحد رواد الصحافة في مصر، لقب بـ"أميرالصحافة"، أسس مجلة "آخر ساعة" عام 1934، وكان ذا أسلوب رشيق، له مؤلفات كثيرة منها كتاب عن أحمد حسنين باشا، الذي لعب دورا سياسيا في عهد الملك فاروق.
وصفه الكاتب محمد حسنين هيكل في مقدمة كتاب "أحمد حسنين باشا" قائلا إن التابعي "كان ظاهرة مستجدة على العلاقة بين الصحفي والأمير، ولذلك كان احتمال الخلط واردا. فقد كتب التابعي عن الملك فاروق وعن "أمه" الملكة نازلي، وعن أحمد حسنين، وعن غيرهم من موقع المعايشة، وفي بعض المشاهد كان هو نفسه كان جزءا من الصورة. وكان المأزق في تجربة التابعي أنه وهو يعايش الأمراء تصور أن يجاريهم بظن أنه ليس أقل منهم، ولم يكن بالفعل أقل منهم بل لعله كان أفضل، فهو أمير بالقيمة والآخرون -ودون تعميم- أمراء بالألقاب".
دنجوان الصحافة
كان للتابعي العديد من قصص الحب داخل مصر وخارجها، تزوج الفنانة زوزو حمدي الحكيم سرا في منتصف عام 1930م، وعلمت زوجته هدى التابعي بزواجه، الذي استمر شهرا في السر، حيث أخبرها أحد الصحفيين.
أما قصته مع الفنانة أسمهان فلها عدة أوجه، أفضت فى النهاية إلى كتاب مكون 250 صفحة كتبه التابعي عنها، تحت اسم "أسمهان تروي قصتها"، لن نبالغ إن قلنا بأن التابعي عشق أسمهان، وكان كل جيلهم يعلم تلك القصة التى لم ينكرها يوما.
يقول التابعي عن أسمهان: "كانت فيها أنوثة لكنها لم تكن جميلة بمقاييس الجمال. وجهها المستطيل وأنفها الذي كان مرهفا أكثر بقليل مما يجب وطويلا أكثر بقليل مما يجب. وفمها الذي كان أوسع بقليل مما يجب وذقنها الثائر أو البارز إلى الأمام أكثر بقليل مما يجب.. عيناها كانت كل شيء. في عينيها السر والسحر والعجب.. تعرف كيف تستعمل سحر عينيها عند اللزوم".
سافر التابعي مرة أخرى إلى أوروبا في صيف عام 1939، وترك أسمهان في القاهرة، وكان يستمع لأخبارها من حين لآخر، وربما كان هذا البعد بينهم سببا لزواج أسمهان من أحمد بدرخان.
رغم تلك الرحلة وزواج أسمهان، فإن هذا لم يمثل نهاية العلاقة مع التابعي، حيث ساندها كثيرا من أجل أن تحصل على الجنسية المصرية، بخاصة بعد زواجها عرفياً من المخرج أحمد بدرخان، حيث كانت جنسيتها سورية فرنسية.
حزن التابعي حين توفيت أسمهان، وبكى كما لم يبكِ من قبل، وقال: "السيدة الوحيدة التي أحببتها في حياتي ومازلت أحبها وسأبقى أحبها هي آمال الأطرش - أسمهان".
رسالة التابعي إلى شباب الصحفيين
في كلمة منسوبة لمحمد التابعي، نشرت في مجلة "الجيل الجديد" عام 1956، تحت عنوان "الاسم النظيف"، يقول إن باب النجاح مفتوح للصحفي الشاب، الذي لا يتملق الرأي العام والذي يؤمن بقضيته مادام على حق.
ويضيف أنه لو بدأ شريط حياته من أول الطريق، فإنه سيختار الصحافة ليدخل من باب النجاح، والنجاح في الصحافة هو "الاسم النظيف".. ويقول: "والنجاح يختلف برغبة كل شخص، فهناك من يقيس النجاح بالفلوس، أما بالنسبة لي فهو (الاسم النظيف) وهو أهم من الثروة، فلو أنني شاب أريد أن أنجح في الصحافة فلن أحيد عن الخطوات التي سرت فيها، وسوف أفرغ ما في صدري ولن يهمني الرأي العام، مادمت أقف بجانب الحق وأناصر المظلوم، فإذا كان الرأي العام لا يتقبل فلن أنزل على رأيه، فمن واجب الصحفي أن يفرض رأيه، وكذلك المثابرة على العمل هي سر نجاح الصحف".
تتلمذ على يد التابعي عمالقة الصحافة والسياسة والأدب، مثل حسنين هيكل، مصطفى وعلي أمين، كامل الشناوي، إحسان عبد القدوس، أحمد رجب، وغيرهم.
أمير المهنية
قال عنه تلميذه مصطفى أمين: " كانت مقالاته تهز الحكومات وتسقط الوزارات، ولا يخاف ولا يتراجع، وكلما سقط على الأرض قام يحمل قلمه ويحارب بنفس القوة ونفس الإصرار".
للتابعي عدة مقولات مأثورة، كانت دستوره فى الكتابة والحياة، تعكس عمق شخصيته وصدقه فى آن:
ـ لقد أعطوا للصحافة لقب -صاحبة الجلالة-لكن صاحبة الجلالة تحمل على رأسها تاجا من الأشواك، فالصحفى يكتب وسيف الاتهام مسلط فوق رأسه، وقليلون منا نحن الصحفيين هم الذين أوتوا الشجاعة لإبداء رأيهم، ولا يبالون أن يتهموا في نزاهتم، أو أنهم مأجورون ينالون ثمن مقالتهم من دولة ما أو من جهة ما، إذا كتب الصحفى اتهم في نزاهته، وإذا لم يكتب اتهم في شجاعته بأنه لا يؤدى واجبه ورسالته".
ـ "رسالتي الصحفية أن أحارب الظلم أياً كان، وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت في ذلك الرأي العام".
ـ "أنا لا أسكت على الحال المايل، رأيى أن الصحافة تستطيع أن توجه الرأى العام وليست أن تتملقه أو تكتب ما يسره أو يرضيه".
ـ "أن يفوتك 100 سبق صحفى أفضل من أن تنشر خبرا كاذبا".