التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:34 م , بتوقيت القاهرة

يزرعون الرؤوس ونحن نقطعها

جرب العلماء مشروع زرع رأس فأر في الصين ونجحت العملية، أما الرأس الإنساني فإنه ستدشن أول عملية لزراعته في عام 2017، انظروا كيف بلغت حضارتهم، وكيف انهارت حضارتنا، إنهم يزرعون الرؤوس ونحن نقطعها، نحن نمضى في طريق وهم يمضون، فمن الفائز؟


يقول د. عدنان إبراهيم، قد يكون أجدر الناس أن يسابقوا على زرع رؤوس جديدة هم المسلمون، حتى يتخلصوا من جمودهم وحرفيتهم، لكنهم لن يفعلوا لأنهم لن يفكروا خارج رؤوسهم البليدة.


إنها قصة طويلة، بدأت منذ ذبح الحسين عليه السلام، على يد الأمويين، وبعدها استكمل والي الشام الحكاية، عندما فرغ من خطبة وصلاة عيد الأضحى، وأشهر سيفه موليًا وجهه شطر الجعد بن درهم، وكان مكبلاً بجانب منبر الإمام، ثم قال للناس: "انصرفوا لأضحياتكم وضحّوا تقبّل الله أضحياتكم، أما أنا فإني مُضَح بالجعد بن درهم، لأنه أنكر أن يكون الله قد كلم موسى تكليمًا" ثم قام إليه وذبحه من الوريد إلى الوريد.


كان المشهد مريعًا، لكنّه كان مألوفًا في زمن كانت فيه الدولة تملك سلطة الموت، وأصبح الآن المشهد معتادًا، في زمن عاد فيه المكبوت البدائي، في شكل طقوس جماعية، لقطع الرؤوس، وذبح الإنسان تحت صيحات التكبير وقراءة القرآن، وكله بالصوت والصورة، لكي يرى المشاهد تفاصيل الرّعب كاملة بكل ملامحها، فتشل قدرته على النقد والمقاومة، وينتهي إلى الاستسلام لمن يملكون سلطان قطع الرؤوس، وهي الاستراتيجية التي تنتهجها جماعات كثيرة "سنيّة"، تحت مسمى الإسلامية، مثل النّصرة وداعش في العراق وسوريا على سبيل المثال، وجماعات "شيعية" عراقية مندمجة ضمن ما يسمى بجيش الحشد الشعبي.


لاحظوا صورة الذباح الداعشيّ، أبو عبد الرحمن العراقي، وهو يضع أكثر من 10 رؤوس أمامه، ويرفع يده ليشير بها إلى السماء، لتتجسد الوحشية والبدائية بأبشع صورها التكوينية، فيما مارست عصابات شيعية عراقية نفس المنهج، كما حصل مع راعي غنم عراقي مسكين يدعى (أبو عمر الشمري) كان كل ذنبه أنه تواجد في المنطقة التي تنتشر فيها الميليشيات، ففقد رأسه على الفور.


يحفظ الذبّاح الإرهابي عن ظهر قلب الكثير من آيات التسامح والعفو والرحمة، غير أن عقله المهووس بالذبح، يجعلها ضمن الآيات المكية، والتي- في حال تضاربها مع آيات القتال- يعتبرها منسوخة من طرف القرآن المدني، والنتيجة أن (لا إكراه في الدين) منسوخة!، و(لكم دينكم ولي دين) منسوخة!، و(لست عليهم بمسيطر) منسوخة! و(ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) منسوخة!


يضاف إلى ذلك ما نُسب إلى الرسول: "جئتكم بالذبح"، بحيث أصبحنا أمام حالة غير مسبوقة، يبدو فيها مشهد الذبح كأنه شعيرة مشروعة تستوجب التقاط الصور، وربما البث المباشر، كما يفعل الذبّاح "جون".


ويكتب أحدهم على صفحته: "علموا أولادكم جزّ الرقاب، غدًا ستكون الكثير من الرؤوس العفنة، علهم يساعدوكم"، ثم نشر صورتين لطفل ملثم، بيمناه دمية حملها من شعرها الأشقر، وبيسراه شهر سكينًا بدت كسيف صغير، وهم يدربونه على جزّ الرقاب.


وها هو ضحية ينشر رسالته قبل الموت: "أنت لا تذبحني لأنني أستحقّ الذبح؛ ولكن لأن لتلك اللحظة شبقًا أنتَ لا تحتملُ تفويته.. خصوصًا مع تلك التكبيرة العالية التي تكافئ زمجرة الشابق في ذروته، ومع ذلك الدفء الأحمر الذي ينقذف ليُغرِق يديكَ وأنتَ تُواصِلُ عملية الذّبح، ومع لمعة الإشباع في عينيكَ وقد تمكّنتَ من إهمادِ ذبيحتك، تمامًا كما يتمكّن المُغتصبُ من ضحيّته".


لا علاقة بما يحدث، لا بسنة ولا بشيعة، لكنه بلا شك له علاقة بالفكر الذي شاخ، والذي لا يجوز العيش على نتائجه، كما له علاقة برجال الدين، الذين خلطوا الدين بالسياسة، واعتمدوا على آيات مقتطعة من النّص القرآني، ومعزولة عن سياق التّنزيل وظروف المخاطب، مثل: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)، (فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).


وهكذا لن تنتهى القصة المريرة، ولن نتقدم، ولن يعود ركب حضارتنا، إلا إذا قررنا أن نجدد فكرنا الذي شاخ، ونتخلص من جمودنا، وحرفيتنا، ورؤوسنا البليدة، لنزرع رؤوسًا جديدة، ونمضى في طريق غير الذى نحن ماضون فيه.