السفينة "كليوباترا" التي منحت "العمال العرب" أرفع وسام في الدولة
"اليوم أعلن النصر.. النصر لعمالنا العرب فى معركتهم من أجل الحرية والاستقلال، وبهذه المناسبة وباسم شعب الجمهورية العربية المتحدة أحيي العمال العرب جميعاً، لأنهم حققوا بتضامنهم النصر.. النصر الكامل للأمة العربية".. هذه الكلمات جاءت في خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في المؤتمر الشعبي الذي عقد بمدينة المنصورة في 7 مايو عام 1960.
كانت هذه الكلمات تكريما للعمال العرب لما قاموا به أثناء أزمة الباخرة كيلوباترا، ما حقق انتصارا معنويا و سياسيا للجمهورية العربية المتحدة، وجعل الرئيس عبد الناصر يهدي أرفع وسام للدولة لاتحاد العمال العرب قائلا "باسم شعب الجمهورية العربية المتحدة، باسم كل فرد منكم أهدى هؤلاء العمال العرب جميعاً أرفع وسام فى الجمهورية العربية المتحدة، أهدى هذا الوسام - أرفع وسام فى الجمهورية العربية المتحدة - للاتحاد الدولى للعمال العرب".
وأضاف الزعيم الراحل "أنا أعتقد إننى أعبر بذلك عن تقدير كل فرد من أبناء الأمة العربية لهؤلاء الرجال الذين لم يترددوا فى أن يخوضوا هذه المعركة ولو كانت على حساب أرزاقهم، ولو كانت على حساب معيشتهم. فإنى - أيها الإخوة - عندما أعبر عن تقدير الأمة العربية لهم إنما أشعر فى قرارة نفسى أن كل فرد من أفراد الأمة العربية، إنما هو جندى فى جيش الجمهورية العربية المتحدة يحارب معارك الحرية والاستقلال كما حاربها العمال العرب، لينتصر فى هذه المعارك كما انتصر العمال العرب".
يرجع هذا التكريم عندما قاطع عمال الموانئ في نيويورك -بتحريض من إسرائيل- الباخرة المصرية كيلوباترا، ورفضوا تفريغ حمولتها كوسيلة ضغط على مصر/ لتسمح بمرور السفن الإسرائلية في قناة السويس.
ارتفعت حرارة القضية، بعد أن انتقلت كلمتها إلى العمال العرب الذين سجلوا فيها واحدة من معاركهم المجيدة في تاريخ النضال العربي، وفي "26 أبريل 1960" اجتمع اتحاد العمال العرب في القاهرة، برئاسة "سالم شيتا" وهو ليبى الجنسية، والأمين العام أسعد راجح وهو يمنى الجنسية، وقرر الاتحاد أن مقاطعة السفينة العربية "كليوباترا" عمل عدواني ضد الدول العربية كلها، وأن الموانيء العربية بما فيها الدول العربية غير الممثلة في الاتحاد ستقوم بتنفيذ قرار مقاطعة السفن الامريكية.
وقررت النقابات العمالية مقاطعة البواخر الأمريكية في موانئ الجمهورية العربية المتحدة، وجرى تطبيقه في موانئ الإسكندرية وبورسعيد واللاذقية والسويس، وانضمت إليه موانئ بيروت وطرابلس والعقبة والكويت والرباط وبورسودان، وموانئ ليبيا وتونس واليمن والسعودية، بدرجة أصبحت معها المقاطعة العربية للبواخر الأمريكية شبه كاملة.
وكانت وطأة المقاطعة العربية شديدة، حيث أكد "ديلون" وكيل الخارجية الأمريكية، أنه مقابل كل سفينة عربية تتم مقاطعتها في الموانئ الأمريكية، تتم مقاطعة ثلاثين سفينة أمريكية في المواني العربية من المحيط إلى الخليج.
وقبل خطاب الرئيس عبد الناصر بيوم واحد أصدر "بول هول" رئيس نقابة عمال البحر الأمريكيين أمرًا بإنهاء الحصار المفروض على الباخرة العربية كليوباترا، ومن ثم انتهت الأزمة، وبدأت عملية تفريغ السفينة، وفي المقابل أعلن اتحاد العمال العرب إنهاء مقاطعة السفن الأمريكية.
وهذا حقق انتصارا سياسيا ومعنويا ليس للجمهورية العربية المتحدة فحسب، وإنما للشعوب العربية التي وحدتها الأزمة، فكانت المقاطعة العربية للسفن الأمريكية نموذجا لما يمكن أن يمارسه العرب من ضغط على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، ولما يمكن أن تفعله وحدة العرب على صعيد السياسة الدولية.