صور| تعرف على مواقف "بطاركة القرن العشرين" من قضايا الطلاق
بعد أن أقام بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني، دعوى أمام المحكمة الإدارية للطعن على حكم من محكمة القضاء الإداري، يلزم الكنيسة بمنح تصريح بالزواج الثاني لقبطي، أعاد ذلك الحكم إلى الأذهان بعض الأحكام القضائية التي اصطدمت بقيادة الكنيسة عدة مرات على مدار سنوات، خاصة بعد اعتماد الدولة للائحة 1938.
لائحة 1938
في عام 1938 أصدر المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس منفردا، لائحة للأحوال الشخصية للمسيحيين والتي أباحت الطلاق لـ9 أسباب على عكس السببين المعروفين، وهما الزنا وتغيير الدين فقط، وذلك بعد رجوعهم لـ"قوانين بن العسال" التي خلطت ما بين قوانين الكنيسة وقوانين الملوك.
ولم تحظ اللائحة بموافقة الكنيسة نظرا لعدم صدورها عن المجمع المقدس الذي يملك سلطة التشريع، خاصة في ظل تنازع الاختصاصات وقتها بين البابا والمجمع المقدس من جهة والمجلس الملي من جهة أخرى.
وصدر عدة اعتراضات وقتها، حتى من الأرشيدياكون حبيب جرجس، إلا أن الدولة قد أقرت اللائحة لتكون المرجع الأساسي للمحاكم في قضايا الأحوال الشخصية للأقباط، وهو الأمر الذي أحدث عدة صدامات لم تنته حتى الآن.
المذكرة التي أرسلها الأرشيدياكون حبيب جرجس مع رابطة مع جمعية التعاون الأكلريكي
البابا مكاريوس الثالث
اجتمع البابا مكاريوس الثالث (البابا الـ114) بالمجمع المقدس برئاسته في 21 مايو عام 1945، وأشار للائحة 1938 قائلا: "حيث إن المجلس الملي العام وضع قانونا للأحوال الشخصية وأقره بجلسة 9 مايو سنة 1938 وقد خرج في بعض مواده عما ورد في الكتاب المقدس وقوانين الكنيسة وعلى الأخص في موضوع الطلاق الذي أجازه لعشرة أسباب تسعة منها لا تتفق مع الكتاب أو القوانين. وقد أثار هذا القانون اعتراض رجال الدين بصفة خاصة والشعب القبطي بصفة عامة وكان مظهر هذا الاعتراض ما قدم من احتجاجات ومذكرات إلى الجهات الدينية والرسمية لأن السيد المسيح له المجد منع الطلاق إلا لعلة الزنا".
وأصدر المجمع عدة قرارات كان على رأسها قصر أسباب الطلاق على الزنا وإعلان بطلان لائحة 1938، وأرسل مذكرة للحكومة بتاريخ 30 مايو 1945 ليبلغها اعتراضه على اللائحة، إلا أن الحال بقى كما هو عليه.
البابا مكاريوس الثالث
"اللجنة البابوية" عام 1955
كان المجمع المقدس وقتها قد أرجع البابا يوساب الثاني (البابا الـ115) إلى الدير لعدم قدرته على إدارة مهام الكنيسة، وعقب صدور قرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإلغاء المحاكم الملية والعمل بنفس بنود لائحة 1938، قرر المجمع المقدس برئاسة اللجنة البابوية المكونة من الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، والأنبا أغابيوس مطران ديروط، والأنبا بنيامين مطران المنوفية، في جلسته المنعقدة بتاريخ في 6 ديسمبر 1955، أن تُقرع الأجراس الجنائزية في جميع الكنائس، واقتصار عيد الميلاد على الصلاة دون أي مظاهر احتفال أو استقبال مهنئين في جميع الإيبارشيات، مع الدعوة للصوم ثلاثة أيام، حتى وعدهم المسؤولون بالاستجابة لمطالبهم، لكن الأوضاع بقيت كما هي.
البابا يوساب الثاني وإلى جواره الأنبا ميخائيل الذي تولى مكانه مؤقتا عقب إبعاده عن البطريركية
البابا كيرلس السادس
قرر البابا كيرلس السادس (البابا الـ116) بعد جلوسه الكرسي المرقسي الاستعانة بالمتخصصين في القوانين الكنسية لمراجعة اللوائح والأمور الإدارية داخل الكنيسة.
وقام البابا بتشكيل لجنة لترسل لوزارة العدل أهم مبادئ الكنيسة في الأحوال الشخصية، وكان من بين أعضاء اللجنة الأنبا شنودة أسقف التعليم (البابا شنودة الثالث) والقمص صليب سوريال وعدد من المستشارين الأقباط، وقد تضمنت المذكرة عددا من النقاط وكان أهمها التأكيد على أن الزواج سر كنسي مقدس وأهمية إجراء مراسيمه داخل الكنيسة، ووحدة الزيجة وعدم جواز الطلاق إلا لعلة الزنا.
ونظرا لعدم الاستجابة قرر البابا كيرلس إرسال نفس المذكرة لوزراء العدل الذين أتوا بعد ذلك في عام 1967، ونشرها الأنبا شنودة في الطبعة الثانية من بحثة "شريعة الزوجة الواحدة" ولكن شيئا لم يتغير.
جزء من المذكرة التي نشرت ببحث الأنبا شنودة تحت عنوان "شريعة الزوجة الواحدة"
البابا شنودة الثالث
كان البابا شنودة الثالث (البابا الـ117) من أشد معارضي لائحة 1938 وكتب العديد من الأبحاث ضدها قبل البابوية، وقد استعان به البابا كيرلس في إجراءاته التي اتخذها ضد اللائحة وبعد اعتلائه الكرسي قرر تسجيل موقفه من اللائحة بعد 4 أيام فقط من تجليسه وذلك في قراره البابوي بتاريخ 18 فبراير عام 1971، قبل أن يؤكد على نفس المفهوم في قرار المجمع المقدس بتاريخ 21 فبراير 1979، وجلسات أخرى تلتها.
وحاول البابا شنودة تقديم مشروع قانون للأحوال الشخصية للأقباط عدة مرات، حيث اتفق مع الطوائف المسيحية في مصر على إصدار قانون موحد وقدمه للدولة في أعوام 1986 و1986 و1996 و2008، وقام المجلس الملي في عام 2008 بتعديل لائحة 1938، إلا أنه في كل مرة كانت الدولة تحفظ القانون في الأدراج، وهو الأمر الذي فسره البعض بأنه كان إحدى ورقات الضغط على الأقباط والكنيسة من نظام مبارك.
وكانت بعض الأحكام تصطدم بالكنيسة بسبب إقرار الدولة للائحة 1938 التي لم تصدرها الكنيسة، وكان أشهرها على الإطلاق الحكم الذي صدر في مايو 2010 بإلزام الكنيسة، بإعطاء بعض تصاريح بالزواج الثاني لبعض المطلقين، الأمر الذي أعلن البابا شنودة عن رفضه له في عظتيه بالإسكندرية والقاهرة في نفس الشهر، وخلال جلسة المجمع المقدس في 8 يونيو 2010، كما أعلن موقف المجمع في مؤتمر صحفي في نفس اليوم.
البابا شنودة يعلن موقفه من حكم المحكمة
وقرر البابا الطعن على الحكم أمام المحكمة الدستورية، واستند فيه لتعارض الحكم مع أحكام أخرى سابقة والتي لم تعتد بلائحة 1938، خاصة أن المحكمة الدستورية قد حكمت بعدم دسورية بعض مواد لائحة 1938، كان أولها حكمها في القضية رقم 79 لسنة 81.
البابا تواضروس الثاني
بعد جلوس البابا تواضروس الثاني على الكرسي البابوي، عبر عن أمله في إقرار قانون الأحوال الشخصية الذي قدمته الكنيسة أكثر من مرة، وأعرب في أكثر من حوار عن رفضه للائحة 1938 لأنها لم تصدر عن المجمع المقدس، مشيرا إلى مخالتها تعاليم الإنجيل الذي نص على أنه لا طلاق إلا لعلة الزنا.
البابا يرفض لائحة 1938 ويتمسك بعدم الطلاق لغير علة الزنا
ومن جهة أخرى أعلن البابا تواضروس عن إحداث تطوير إداري بمنظومة جديدة في المجلس الأكلريكي لينقسم لعدة مجالس فرعية حتى لا تأخذ حالات الطلاق وقتا طويلا في نظرها، كما قرر المجمع المقدس وضع بعض المعايير الجديدة في مسألة إثبات الزنا الحكمي وبطلان الزواج في القانون المزمع طرحه على الدولة، منتظرا إقراره مع البرلمان القادم.