كان احتجاج العمال في شهر أكتوبر من عام 1951 يحمل طابعًا جديدًا ومبتكرًا هو الأول من نوعه في تاريخ احتجاجهم، فبعيدًا عن العنف وتنظيم الإضرابات، والتراشق مع الحكومة، والخروج للمظاهرات، تلك الوسائل التي اعتاد عليها المتظاهرون، كان للعمال رأي آخر في عمل احتجاج سلمي منظم له صداه حتى يومنا هذا.

البداية كانت عن طريق الصدفة، حينما أعلنت شركة الغزل النسيج في منطقة حدائق القبة عن 6 وظائف شاغرة للعاملين، آنذاك البطالة كانت سيدة الموقف، انتشر الخبر وتجمهر نحو 500 عامل أمام شركة الغزل والنسيج المملوكة لراتب الحسيني، صبيحة اليوم التالي لظهور الإعلان كان الحشد العمالي مفاجئا لمدير المصنع، الذي ظن في بداية الأمر أنه إضراب ينظمه العمال، ثم تبين بعد ذلك أن هؤلاء هم طالبو التعيين بمصنعه.

"وقف المدير ولما عرف أن هؤلاء العمال عاوزين يشتغلوا قال باستهتار مش هنعين حد"، هكذا قال عم سيد ندا -منظم الاحتجاج- لـ"دوت مصر"، فقررنا تنظيم مؤتمر صحفي تحت شجرة في أحد الحقول المجاورة للمصنع، قمنا بدراسة الموقف، وتساءلنا: "لو عملنا مظاهرة الحكومة هتضربنا"، فقررنا تقسيم أنفسنا 3 فرق بمهام محددة، ونأكل من المطاعم بدون مقابل، ونعلن بعدها أننا خاليين شغل، ولما نقبض نسدد النقود.

يضيف عم سيد ندا (90 عاما) "قسمنا نفسنا لـ3 فرق، وأمرت العمال إنهم ياكلوا في مطاعم القاهرة أحلى أكل، عشان لو اضربوا  يستحملوا الضرب، انطلقت أول مجموعة إلى مطعم الكاشف في أول شارع محمد علي، والمجموعة الثانية إلى مطعم في آخر شارع عبدالعزيز بجوار عمر أفندي، والمجموعة الثالثة إلى مطعم العاجاتي بالعتبة، إضافة إلى مجموعة مندوبين مكونة من 10 أفراد مهمتها مراقبة الأوضاع، وبالفعل أكل العمال سمك ومشويات وكباب وكفتة".

غضب أصحاب المطاعم من تصرف العمال فقرروا استدعاء الحكومة التي استعانت بقوات المطافئ للسيطرة على أعداد العمال الكبيرة، وعندما تم القبض على أول مجموعة في شارع محمد علي، انطلق المراقبون وأخبروا وسائل الإعلام ووكالات الأنباء بالحدث، التي اهتمت بالحدث اهتماما كبيرا -بحسب عم سيد- وتعاطف الشعب مع العمال بسبب تدني معيشتهم.

يقول عم سيد "تم القبض على العمال وعرضهم عى النيابة في اليوم الثاني للواقعة، ثم أفرجت النيابة عنهم بضمان محل سكنهم، وقررت الحكومة صرف إعانة مالية للعاملين غير المتزوجين 5 جنيهات، والمتزوج 6 جنيهات".