"الإخوان" انتهت حتى إشعار آخر
الحركات عادة تنتقل من الثورة إلى الإصلاح، بينما الإخوان في مصر يقولون إننا ننتقل من الإصلاح إلى الثورة، وفق حوار أحمد عبد الرحمن، رئيس المكتب الإداري الجديد لجماعة الإخوان، في حواره الأخير مع أحمد منصور بالجزيرة.
الإخوان يسيرون بطريق معكوس، وبعمى استراتيجي كعادتهم، وخلال محنتهم وصراعهم مع النظام، كانوا أمام نهايات طبيعية، أولها مواصلة النظام خطته في القضاء على التنظيم، واستخدامهم كفزاعة للخصوم، أو انتصار الجماعة عن طريق ثورة شعبية بعد الأزمات الاقتصادية، أو التفاوض للعودة للعمل السياسي، والحصول على شرعية منقوصة، كالتي كانت معهم أيام مبارك، أو انقسام الجماعة نصفين، منشقين ومنظمين، أو معتدلين ومتشددين، والقضاء على المتشدد وإبقاء المعتدل، وأخيرًا اعتراف الجماعة بالإخفاق والبدء في المراجعة.
كنت آمل عقب عدم تحقق الأربعة أشياء الأولى، في اعتراف الجماعة بالإخفاق والبدء في المراجعة، إلا أن ما قاله أحمد عبدالرحمن، أثبت لي أن الجماعة منتهية حتى إشعار آخر، لأنها عصية على التجديد، ولم تعد قادرة على طرح نفسها للمراجعة، ولم يعد أفرادها كلهم بقادرين على أن يقبلوا النقد، لعدة أسباب أولها، أن الإخوان دفعت أتباعها منذ نشأتها إلى صراع طويل بدد كل طاقة للإصلاح، حتى ألف أعضاء الجماعة على الحزبية والحركية، وقدموا التنظيم على الدعوة، فوقعوا فى مصيدة القفص التنظيمى، الذى تغول فيه العمل السياسى على الأخلاقي، وتمسكوا فيه بالعمل السرى على العلني.
المشكلة الأكبر هي أن الجماعة جعلت التنظيم مقدمًا على الدعوة الإسلامية، وجعلت خطابها خادمًا لهذا الهدف، وموجهًا بطريقة عامة وخاصة، دون شعور بالمجتمع ذاته، الذي كان من المفترض أن يصبح نشاطها خادما له، لكنّها اعتبرت، أن زيادة حجم التنظيم وعدده هو هدف، وهو أهمّ من الدعوة، بل إن الحفاظ على قيادة التنظيم هو خدمة للإسلام ذاته.
ما سبق هو ما يُطلق عليه الحزبية الدينية، التي تغوّلت فيها جماعة الإخوان، وجعلت قياداتها مقدسين، وجعلت من تأريخ وكلمات البنا،ثوابت، وقدسية توازي قدسية ثوابت الإسلام الكبرى، ورغم أنها كانت تروج لنفسها أنها تمثل الإسلام، كان ذلك كاذبًا لأنها تمثل ثوابت البنا الخاصة، ما جعل أتباع التنظيم يتعالون على المجتمع، ويعتقدون أنهم أفضل منه، وأنهم على الحق المبين، ويعيشون في "تابوه" خاص، ويمثلون كتلة معزولة، لها نسقها الخاص، ما طبع لدى الناس صورة الإخوان، كجماعة عاجزة عن الذوبان في المجتمع، أو تذويب المجتمع فيها.
فضلاً عن ذلك، فإن الإخوان مصابة بالعجز الاستراتيجي، والفشل في التخطيط، ومواكبة الأحداث، وعدم وجود رؤية واضحة للتعامل الجدي مع الأحداث، وصعوبة أخذ القرار في مؤسسات أصابتها الشيخوخة، وليس لديها خطط عامة، وشاملة، حتى أنك إذا سألت إخوانيًا، ما هي استراتيجية التنظيم؟ يُخبرك على الفور: بناء الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والدولة المسلمة، وهذا ما جعلهم في محنتهم الآن عاجزون عن وضع تقدير ورؤية صحيحة لما يجرى، وأدى لعجزهم عن معرفة القدرات الذاتية لأفرادهم بالجملة، والمجتمع والنظام بشكل عام وخاص.
وهكذا لا يمكن إصلاح جماعة الإخوان، للأسباب السابقة مجتمعة، بالإضافة إلى أشياء تكتيكية أخرى، متعلقة بالقيادات القطبية العصية على التغيير، وانقسام صناع القرار، ما بين هاربين، أو معتقلين، أو مرتبطين بدول إقليمية.
ولا يوجد حل الآن، في ظل وجود أولئك القيادات على قمة الهرم التنظيمي، ولم يتبق سوى شيء واحد، هو ثورة القيادات الوسطى على أولئك القدامى المتكلسون، الذين يتحدثون عن عمل ثوري، بينما باقي التنظيم الدولي، في تونس والمغرب والأردن وغيرها، يتحول من الثورية إلى الإصلاحية، وإلى "الدسترة"، أي عبر الاندراج ضمن الثقافة السياسية في البلاد، وإلى العمل ضمن إطار الثقافة السياسية السائدة، أي الخاضعة لضوابط القانون، ومن استراتيجية الصدام الشامل مع الأنظمة، إلى سياسة التعايش والتكيّف الإيجابي.