التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:37 ص , بتوقيت القاهرة

خطاب لم يقله الرئيس السيسي في إثيوبيا

حملت لنا الأنباء إقدام عصابة داعش على قتل 30 مواطنا أثيوبيا، فجاش في نفسي خطاب تصورت الرئيس السيسى يلقيه في زيارته القادمة لها.


أيها الشعب الأثيوبيّ العظيم، أحمل إليكم تحية الشعب المصريّ، الذي ربطته بكم روابط قوية ضاربة في عمق التاريخ.. التاريخ الذي يعلمنا أن أول جماعة مسلمة وفر لها شعبكم ومليككم العظيم النجاشي الإيواء والرعاية بعدما تنكر لها العدو والصديق، كانت أرضكم أرض الصدق، التي حظيت فيها الجماعة المسلمة الأولى بالعدل من ملك عادل لا يُظلم عنده أحد، كما وصفه النبي الكريم.إن تلك الحادثة التي لم نشكر الشعب الأثيوبي عليها، رغم مرور كل تلك القرون حافلة بالرسائل التي يجب أن نتأملها بعناية، علها تشق لنا طريقا نحو المستقبل.. إن ديننا يحثنا على شكر من أسدى لنا معروفا، فيقول رسولنا: " لم يشكر الله من لم يشكر الناس".


وأنا هُنا اليوم بالنيابة عن أكثر من مليار مسلم في العالم، لأتوجه في البداية بالشكر للشعب الإثيوبي العظيم الذي حمى الجماعة المسلمة الأولى من خطر الإبادة، فكتب بهذا المعروف نقطة البداية لدين لم يأت أبدا ليصارع أديانا سماوية، بل أتى متمما ومكملا لها في سياق رحلة ممتدة بين الأرض والسماء، حيث يقول الرسول الكريم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، تلك الأخلاق التي كان نصيب شعبكم ومليككم منها وافرا بأهم السجايا العدل والصدق، ولازالت تلك أبرز سجاياكم شعبا وحكومة، وهو ما يفتح الباب للتعاون بيننا على البر والخير الشامل لشعوبنا.


لقد أدهشني عمق المحبة التي يكنها شعبكم للرئيس المصريّ الراحل جمال عبد الناصر، وكيف أن كثيرا من آباء الشعب الإثيوبيّ حريصون على أن يتسموا باسم ناصر، في تأكيد على عمق تلك العلاقات الوشيجة بيننا، والتاريخ المشترك في النضال لتحرير إفريقيا قارتنا السوداء التي عانت طويلا من الاستعمار، وآن لها أن تتحرر من خططه ومصالحه، والتخطيط معا لمستقبلنا المشترك.


نحن أبناء القارة أولى الناس بالتخطيط لحاضرها وبناء مستقبلها، وفرص التكامل بيننا قائمة ونحن الأقرب في الثقافة والجوار والمصير المشترك.


إن جزءا من تاريخنا المشترك  تصنعه الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، التي يتشارك شعبانا الإيمان بها، والوقوف تحت مظلتها الروحية، فالمسيحيون في مصر وأثيوبيا يتشاركون معتقدا واحدا وثقافة واحدة تصنع مزاجا ووجدانا مشتركا، ينبغي تطويره في اتجاه التعاون والتشارك.


إن رسالة العدل والصدق التي أكدها موقف الملك النجاشى في موقفه من الجماعة المسلمة الأولى، ترسل لنا العديد من الرسائل التي ينبغي تأملها.


أولها أن الإسلام رسالة عالمية حمتها المسيحية، لأنها قدرت أنها تتميم وإكمال لمكارم الأخلاق التي يحتاجها العالم تماما، كما أكد موقف النجاشى ان الإسلام في حقيقته ليس عدوا للمسيحية ولا لغيرها من الأديان، فكما يقول الله تبارك وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ".


 الإسلام لم ولن يدعو للإرهاب أو الموت، بل هو دين الحياة الذي جعل إحياء نفس واحدة كإحياء كل الناس، وقتلها كقتل كل الناس، وإن تعسف بعض الجهلة أو المجرمين في فهمه، والاحتجاج بنصوص مختلقة ومدسوسة، لا يدعي المسلم احتكار الحقيقة ويحرم الإساءة للمخالف ويدعو إلى بسط سلطان العدل على الجميع دون استثناء.


ثاني تلك الرسائل إلى المسلمين، تدعوهم إلى تأمل عدل وسماحة وصدق النجاشي، وكيف أن الجماعة المسلمة الأولى كان خطيبها جعفر بن أبى طالب موفقا في عرض رسالته المركزية الحرية، حرية الاعتقاد دون إنكار على الآخرين فيما اعتقدوه، كيف يكون الرفق والتسامح دينا يتعبد به الناس لربهم، وتستقيم به حياتهم تلكم الرسالة التي ينبغي الوقوف عليها جيدا.


ثالث تلك الرسائل هي لكل زعماء الأرض، لن يصنع الرفاهية للشعوب ولا السلام في العالم سوى العدل، كيف تكون الأرض كلها أرض صدق ليس الحبشة فحسب، كيف نقطع الطريق على الإرهاب ليس بالصواريخ والقنابل والطائرات، بل بالعدل والإنصاف وتأمين حقوق الشعوب والتعاون على تنمية الثروة والموارد التي جعلها الله في أرضه تكفي الناس إلى يوم القيامة " وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ".


إن أزمة عالمنا ليست في ندرة الموارد كما يذهب البعض، بل في سوء إدارتها بما يصنع الفقر والبطالة ومن ثم الإرهاب.


إن امتلاك شعوبنا لعديد من نقاط الالتقاء على مستوى المعتقد الديني والرصيد الأخلاقي من قيم الصدق والسماحة والعدل، فضلا عن الموارد الطبيعية والبشرية يتيح لنا صنع تجربة في التكامل تنهض بمجتمعاتنا في العديد من المجالات، التي ليس أقلها التعاون الزراعي والصناعي، بل والثقافي والعلمي من خلال العديد من مساحات التعاون، التي ستكون هي الدليل العملي على عمق العلاقات التاريخية التي ننطلق منها لصنع المستقبل الذي ينسجم مع تطلعات شعوبنا للخير والرفاهية.


حفظ الله شعوبنا وألهمنا الرشد لنصنع معا مسيرة نجاح تليق بتطلعات شعوبنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.