التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 05:34 ص , بتوقيت القاهرة

فزورة قانون الانتخابات

كشفت أزمة قوانين الانتخابات عموما وقانون تقسيم الدوائر تحديدا عن مدى القصور التشريعي الذي تعاني منه الدولة المصرية، وأضافت إحداثيات جديدة لتعقيدات المشهد السياسي، وكأنّها فزورة يصعب على المسؤولين حلها.


برغم الارتباك الذي يسود المشهد منذ صدور الأحكام الأخيرة للمحكمة الدستورية العليا ببطلان بعض قوانين العملية الانتخابية والتي أبقت على حالة الفراغ التشريعي التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عامين؛ فإن تأجيل الانتخابات، وإن كان قد شكل فرصة لتصحيح المسار الانتخابي؛ فإنه يبدو فرصة ضائعة بالنظر إلى تمسك السلطة برفض إجراء تعديلات جوهرية على النظام الانتخابي، وإصرارها على المضي قدما في المسار ذاته وفقا للقواعد التي وضعتها منذ البداية، وهو ما يعني إعادة إنتاج وتكريس الأخطاء السابقة بدلا من الاستفادة منها.


مواقف المسؤولين أظهرت إصرارا على التعامل مع المأزق الانتخابي الراهن باعتباره مشكلة قانونية وإجرائية بحتة، في حين يعبر هذا المأزق عن أزمة سياسية أكبر؛ نتيجة إصرار السلطة على الانفراد برسم قواعد اللعبة، دون الأخذ في الاعتبار آراء اللاعبين أنفسهم.


المفارقة أن الحكومة عهدت بتعديل قوانين الانتخابات إلى نفس اللجنة المسؤولة عن بطلانها ومن ثم مسؤولة عن تعطيل إجراء الانتخابات؛ نتيجة انفرادها بالقرار، وعدم استجابتها لأي من التوصيات والملاحظات التي أبدتها الأحزاب أثناء إعداد القوانين الانتخابية، وإصرارها منذ البداية على هندسة النظام الانتخابي على هواها، وعدم الأخذ بمقترحات أي من الأطراف الأخرى بمن فيها حتى الخبراء الدستوريين؛ الذين حذروا من أن الصياغة التي صدرت بها بعض مواد هذه القوانين تحمل شبهة عدم الدستورية. 


ولأن السلطة الحاكمة هي الفاعل الأهم في أطراف العملية السياسية والانتخابية، وبوصفها الطرف الذي يضع قواعد اللعبة الانتخابية؛ ومن ثم يحدد مسارها، فإن مستقبل المشهد الانتخابي يتوقف بشكل حاسم على موقف هذه السلطة وجديتها في تعديل المسار الانتخابي.


في ضوء المواقف المعلنة للمسؤولين ومن بينهم الرئيس السيسي نفسه، فإن هناك حاجة لوجود برلمان عاجل ربما لإلقاء مسؤولية القرارات الحساسة على كاهله في هذا التوقيت الحرج، ومن هنا تبدو السلطة متمسكة باستكمال الإجراءات القانونية والفنية اللازمة لإجراء الانتخابات النيابية؛ وفقا للقواعد التي وضعتها منذ البداية دون أدنى اهتمام بمطالب الأحزاب السياسية؛ وذلك لاستكمال الشكل المؤسسي للنظام السياسي، والانتهاء من آخر استحقاقات خريطة المستقبل، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، وما إذا كان ستفرز برلمانا حقيقيا من عدمه.


المؤيدون للتعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية حتى وفق قواعد قانونية سيئة، وما قد تفضي إليه من نتائج غير مرضية، يعتقدون أن لذلك تكلفة سياسية أقل من الإبقاء على حالة الفراغ التشريعي التي تعيشها البلاد، وانفراد رئيس الجمهورية بالسلطتين التشريعية والتنفيذية؛ وما يعنيه ذلك من تكريس سلطة الحاكم الفرد؛ لكن إجراء الانتخابات وفق هذه القاعدة، وإن كان له بعض الوجاهة السياسية، فإنه لن يسهم في إحداث تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد، ولن يعزز الاستقرار السياسي وسيفرز برلمانا على كف عفريت مطعون في دستوريته واحتمالات حله تبقى قائمة في أي وقت.


هذا المسار لن يدعم شرعية النظام القائم، كما تراهن السلطة، بقدر ما سيبقي على حالة السخونة السياسية في الشارع، وربما يعمق الانقسام بين القوى والأحزاب التي ستتفاعل بعيدًا عن ساحة البرلمان.


تجاهل الحكومة لمقترحات الأحزاب وعدم الاستماع إلى ملاحظاتها، وموافقة الرئيس المبدئية خلال لقائه برئيس الوزراء على تعديلات لجنة الإصلاح التشريعي طالما أنها تتفق مع حكم المحكمة الدستورية، يشير إلى أن السلطة تختصر المشهد الانتخابي برمته في جملة من المسائل الفنية والإجرائية، وليس أكثر من ذلك.


على سبيل المثال، فإن لجنة الإصلاح التشريعي لجأت إلى زيادة عدد المقاعد الفردية بإضافة 22 مقعدا لمعالجة التباين في الوزن النسبي للمقاعد النيابية حتى تتفق التعديلات مع ملاحظات المحكمة الدستورية العليا بشأن قانون تقسيم الدوائر، لكنها لم تراع الوزن النسبي للصوت الانتخابي نفسه، بسبب عدم المساواة في عدد المقاعد لكل دائرة.


وللتوضيح.. لو افترضنا في الدوائر الفردية التي ستنتخب نائبا واحدا أن هناك مرشحين اثنين يتنافسان على 161 ألف صوت انتخابي، بنسبة فارق مسموح به 25% تقريبا، بما يعني أنه لو حصل مرشح على 50% + 1 ينجح من الجولة الأولى، ويخسر المرشح الذي حصل على أقل من 80 ألف صوت بافتراض أن نسبة المشاركة 100%، حتى لو حصل على 79 ألف صوت.


بينما في الدائرة التي ستنتخب 4 نواب، فإن 8 مرشحين الحاصلين على أعلى أصوات سيدخلون جولة الإعادة، بما يعني أنه يمكن لمرشح حاصل على 20 ألف صوت فقط الدخول إلى جولة الإعادة مع احتمالية الفوز فيها، في الوقت الذي لم يسمح للمرشح الذي حصل على 79 ألف صوت في الدائرة الفردية من دخول جولة الإعادة، كما أن الصوت الانتخابي في الدائرة الفردية سيفرز نائب برلماني واحد، بينما سيفرز في الدائرة الرباعية 4 نواب بما يخالف القاعدة الراسخة التي يكفلها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أن مواطنا واحدا يساوي صوتا واحدا.


إقرار القانون بهذا الشكل يعد مخاطرة وينذر ببطلان الانتخابات مرة أخرى في حالة الطعن على القانون نظرا لأن الصوت الانتخابي في دائرة سيأتي بعدد مرشحين يختلف عن الدائرة الأخرى.


للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك


اقرأ أيضا