"Final Destination".. النسخة اليمنية
"أرادوا الفرار من جحيم الحرب المستعرة في بلادهم، وشبح القتل الحائم حولهم في كل مكان، فارتادوا قوارب صغيرة أشبه بقوارب الموت، وركبوا البحر في رحلة محفوفة بالمخاطر، ليصل الناجون منهم إلى شواطئ بلاد لا تقل خطرا عما هربوا منه، فيقابلهم مصيرهم المحتوم".. هذه ليست قصة خيالية، أو نسخة جديدة من سلسلة أفلام الرعب الأمريكية الشهيرة "Final Destination"، بل واقع مرير يحياه اليمنيون كل يوم.
سيناريوهان فقط فطن إليهما النازحون هربا من الموت في اليمن، مع اقتراب حملة القصف الجوي لعملية "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية من دخول أسبوعها الرابع، واشتداد حدة القتال الدائر في جميع أرجاء البلاد منذ 4 سنوات، بعدما بات البحر ملجأهم الوحيد، نتيجة لتعطل معظم المطارات، وهما: إما الارتماء في أحضان جيبوتي، الدولة التي يعيش أغلب سكانها تحت خط الفقر، أو أرض الصومال، الذي يشهد احترابا أهليا لا يقل ضراوة عما في صنعاء، وكلاهما مميت.
الغرق
ولم يدرك هؤلاء أن هناك سيناريو آخر من صنع القدر ينتظرهم، وهو الموت غرقا قبل أن يصلوا إلى وجهتهم التي تمنوها، تماما كالمصير الذي لقاه قبلهم الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين.
ففي ميناء مدينة "إيبك" الساحلية المحاذية لمدينة عدن في جيبوتي، وبحسب تقرير نشره موقع "العربية نت"، لا يمر يوم من دون وصول سفينة محملة باللاجئين اليمنيين الفارين من الحرب في بلادهم، حتى إن بعضهم يصل بعد منتصف الليل في رحلة محفوفة بالمخاطر، يتدخل فيها خفر السواحل أحيانا لإنقاذ الأسر العالقة.
ويروى أحد اللاجئين لوكالة الأنباء الفرنسية، أن "الرحلة استمرت يومين مكدسين في قاع مركب دون أي مقعد"، مؤكدا "تمكنا من رؤية الضربات الجوية، إنه أمر مرعب"، فيما يصف آخر لشبكة "CNN"، الرحلة بأنها "نافذة على جهنم".
الجوع
بحكم موقعها الجغرافي، تعد جيبوتي، المقابلة لمضيق باب المندب، هي الوجهة الرئيسية للفارين، فهي لا تبعد عن المضيق سوى نحو 30 كيلومترا.
وأكدت وزارة الخارجية في جيبوتي، اليوم الأحد، أنها فتحت مجاليها الجوي والبحري أمام المهام الإنسانية في اليمن، بعد ساعات من تصريح سفيرها لدى الرياض، ضياء الدين سعيد باخرمه، بأن بلاده استقبلت نحو 5 آلاف نازح من صنعاء، من بينهم 3 آلاف غادروا إلى وجهات أخرى، بينما بقى ألفان على أرض جيبوتي.
وبعدما عبروا البحر على متن زوارق صغيرة، في رحلة تبلغ تكلفتها، رغم خطورتها، نحو 400 دولار، وصل مئات اللاجئين اليمنيين إلى بلد يعيش 57% من سكانه تحت خط الفقر، وتحت وهج شمس حارقة، وفرت السلطات فيها معسكرات مؤقتة لحين تجهيز الأمم المتحدة مخيمات لاستقبالهم، وفقا لـ"العربية نت".
وبحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، ذكر المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فريدريك فان هام، أن هذا البلد القاحل المعروف بحرارته الخانقة عموما، "له تقليد طويل في استقبال لاجئين من المنطقة"، مضيفا "أنه ضغط ضخم على بلد صغير مثله".
القتل
وفي الصومال، تتجلى صدف التاريخ، فبعدما كان اليمن "بر أمان" للاجئين الصوماليين الهاربين من الحرب الأهلية في بلادهم، شاء القدر أن يصبح تدفق اللاجئين في الاتجاه المعاكس، لأن اليمنيين هم من يبحثون الآن عن ملجأ على الشواطئ الأفريقية.
وفيما يهرب اليمنيون من الحرب، لا يعرف بعض اللاجئين الصوماليين شيئا عن العنف الدائر في عدن وصنعاء، وما زالوا يصلون إلى سواحل اليمن، هربا من العنف والفقر في بلادهم، حسبما تقول مفوضية اللاجئين.
وهنا تكمن غرابة الأمر، خصوصا أن الصومال، الذي يشهد حربا ضد حركة "الشباب المجاهدين"، إلى جانب سوء وضعه الإنساني بسبب النزاع والجفاف، يعد بلدا طاردا للاجئين وليس جاذبا لهم.